ولا يحمّلها إلّا مَن جعله كذلك ، وأنه نائبه وخليفته ونوره ، والحكيم بحكمة الله ، العالم بتعليم الله ، القادر بقدرة الله ، لا يخفى عليه شيء من أُمور رعيّته وممّا استخلفه الله فيه ، وإلّا لم يكن مستخلفاً فيه ، ولا يعجز عن إصلاحهم في الدنيا وبعد الموت ، ولا يهمّ بالمعصية في حال أبداً ؛ لما يَعلم من شدّة خبثها وسوء عاقبتها ، وأنها تباعد من الله.
وأيضاً إذا كان لا تصدر عنه معصية في حال ، فإن الله لا يأمر إلّا بالعدل والإحسان. وأيضاً هو خليفة الله في جميع حالاته ، ولا يمكن أن يكون العاصي حال عصيانه خليفة الله ، ولا يمكن أن تصدر المعصية من خليفة الله في حال من أحواله. وأدلّة عصمة الرسل ممّا لا تحصى.
هذا ، وهم في أنفسهم قادرون على عمل الطاعة وتركها ، وعلى عمل المعصية وتركها ، فإنهم بشر ، وكلّ بشر قادر على ذلك تتحقّق منه الطاعة والمعصية ، فإن الذي لا يقدر على ترك ما يؤمر به لا يعدّ مطيعاً لو صدر منه ، كالحجر المُلقى من أعلى ، فإنه لا يقدر على الامتناع عن النزول ، فلا يعدّ مطيعاً ، والذي لا يقدر على الامتناع عمّا ينهى عنه لا يعدّ عاصياً كما هو ظاهر ، فلا تظنّ أن المعصوم مسلوب القدرة على ترك الطاعة وعلى فعل المعصية ؛ إذ لو كان كذلك لما كان له فخر وشرف يعلو به على سائر البشر ، فإن القدوم لا يوصف بالعصمة ولا يستحقّ جزاءً إذا قطع به النجّار ، ولا يعدّ له شرفاً.
وأيضاً سائر البشر يجد من نفسه القدرة على ذلك ، فكيف يكون رؤساء البشر لا يقدرون على ذلك ، وإلّا لكانوا أنقص من سائر البشر من تلك الجهة ، وهم سادات البشر من كلّ جهة ، فافهم ذلك.