أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، يلذن به صارخات ، ويتوسّلن به ضارعات ، قد قتلت رجالهنّ ، وذبحت أطفالهنّ ، وهو يدافع عنهنّ صابراً ، ويمانع دونهنّ ثائراً ، كالأسد الهاصر ، أو النمر الجاسر ، يبري بسيفه المعاصم ، ويجزّ الغلاصم ، ويقطّ الأصلاب ، ويقصّ الرقاب ، ويندر الأكفّ مع الأعضاد ، ويفرّق بين الرؤوس والأجساد ، إن قصد قصد البطل ألقمه حصيصاً ، وإن صمد صمد مبادر غادره بغصنه حريصاً ، باع من الله روحه وجسده ، وبذل في الله ماله وولده ، لا يزيده قلّة الأنصار إلّا بصيرة من أمره ، ولا يكسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصاً في علانية وسرّه.
وأعانه على امتثال أمر الله عصابة من ذويه واُسرته ، ومتابعيه من شيعته ، باعوا أنفسهم من الله بنعيم جنّته ، فربحوا الزلفى من عظيم رحمته ، فلو تراهم وقد أظلم ليل نقع الحرب ، وبلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن والضرب ، والأعداء محدقة بهم من كلّ جانب ، والأسنّة في الدروع كالنجوم في ظلم الغياهب ، والسيوف لاختلاف المضارب كالبروق في كهول من ثقال السحائب ، والخيل راكعة ساجدة من دفع القنا في صدورها ، والرجال متلقّية جدود الصفاح ورؤوس الرماح بقلوبها ونحورها ، والولدان المخلّدون قد أترعت الأكواب والأباريق للعطاش من ذرّيّة المصطفى ، والحور العين قد هيّأت فرشاً من سندسٍ بطائنها من استبرق لأجسادهم المرمّلة بالدماء ، والملائكة الكرام تعجب من صولة سطوتهم بتصميم عزيمتهم وشدّة جردهم مع قلة عددهم لرأيت وجوهاً كالبدور في ظلم النقع مشرقة ، واُسداً في غاب الرماح مطرقة ، يرون الموت في طاعة ربّهم أحلى من العسل المشار ،
__________________
١ ـ سورة الشورى : ٢٣.