خطبة بعد خطبة ، وموعظة بعد موعظة ( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرِ ) (١) وددت أنّ رأسه في بدنه ، وروحه في جسده ، أحياناً كان يسبّنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولم يكن من أمره ما كان ، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه يريد قتلنا إلّا أن ندفعه عن أنفسنا؟!
فقام عبد الله بن السائب ، فقال : لو كانت فاطمة حيّة ورأت الحسين لبكت عليه ، فجبهه عمرو بن سعيد لعنه الله ، وقال : نحن أحقّ بفاطمة منك ؛ أبوها عمّنا ، وزوجها أخونا ، وابنتها ابنتنا (٢) ، لو كانت فاطمة حيّة لبكت عينها ، وحزن كبدها ، وما لامت من قتله ومنعه عن نفسه. (٣)
فلعنة الله عليه وعلى من والاه ، ما أجرأه على الله وعلى رسوله؟!
وروى سيّدنا السيّد عليّ بن موسى بن طاوس في كتابه ، قال : لمّا قرب عليّ بن الحسين عليهالسلام من المدينة حطّ رحله ، وضرب فسطاطه خارج البلد ، وأنزل نساءه ، وقال لبشير (٤) بن حذلم : يا بشير ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء؟
قلت : بلى ، يا ابن رسول الله ، إنّي لشاعر.
قال : فدخل المدينة وانع أبا عبد الله عليهالسلام.
قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت أقول :
____________
١ ـ سورة القمر : ٥.
٢ ـ في المقتل : وابنها ابننا.
٣ ـ مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي : ٢/٧٦ ـ ٧٧.
٤ ـ في الملهوف : بشر ، وكذا في الموارد التالية.