فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ). (١)
وكذلك كان صلوات الله عليه سالكاً طريق شيخه ووالده ، بانياً في مكارم الأخلاق على قواعده ، ساعياً فيما فيه الصلاح لاُمة جَدّه ، ناصراً مظلومهم بجهده وجِدّه ، كالطود الشامخ على المتكبرين ، وكالماء الرائق للمؤمنين ، لا يخضع إذا قل ناصره ، ولا يضرع إذا غلب قاهره ، كما قال الأوّل :
لا يخرج القرمني غير ما بيه |
|
ولا ألين لمن لا يبتغي ليني |
وكذلك كان أخوه سيّد الشهداء ، وخامس أصحاب الكساء ، لا يقذع صفاته ، ولا يكدر صفاءه ، ذا أنف حمي وطبع أبي ، لما كان مجده أرفع من السماك الأعزل وأعلى ، رأي القتل في العزّ حياة والحياة في الذلّ قتلاً ، صلّى الله عليهما وعلى جدهما وابيهما واُمّهما.
روي أن يزيد بن معاوية عليه وعلى أبيه وعلى المعتقد إسلامهما والشاكّ في كفرهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين رأى زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، وهي اُمّ خالد بنت أبي جندل بن سهيل بن عمرو ، وكانت من الجمال والحسن في الغاية القصوى ، فهام بها حتّى امتنع من الطعام والشراب ، وآلى أمره إلى ملازمة الفراش من شدّة السقم والشغف بها ، فعاده أبوه لعنه الله ، فشكا ذلك إليه وأعلمه بسبب علته ، وكان الرجل منزله المدينة ، فأرسل معاوية إلى عامله عليها أن أرسل إليّ بعبد الله بن عامر موقّراً معظّماً له ، قائماً بجميع ما يحتاج إليه في سفره ، وفيما فيه صلاح أهله.
فلمّا وصل عبد الله إلى معاوية أراه من التعظيم والتبجيل ما لا مزيد عليه ،
__________________
١ ـ سورة المائدة : ٥٤.