بالعافية ، إن القوم قد فصلوا من الرقة فبادروهم إلى عين الوردة ، فاجعلوا المدينة في ظهوركم ، ويكون الرستاق والماء والمادة في أيديكم ، وما بين مدينتنا ومدينتكم ، فأنتم له آمنون ، والله لو أنّ خيولي كرجالي لأمددتكم أطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة ، فإنّ القوم يسيرون سير العساكر ، وأنتم على خيول ، والله لقلّ ما رأيت جماعة خيل قط أكرم منها تأهّبوا لها من يومكم هذا ، فإنّي أرجوا أن تستبقوهم إليها ، وإن بدرتموهم إلى عين الوردة ، فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم وتطاعنونهم فإنّهم أكثر منكم ، فلا آمن أن يحيطوا بكم فإنّه ليس لكم مثل عددهم ، فإن استهدفتم لهم لم يلبثوا أن يصرعوكم ولا تصفّوا لهم حين تقاتلوهم ، فإنّي لا أرى معكم رجاله ، ولا أراكم كلكم إلّا فرساناً ، والقوم لاقوكم بالرجال والفرسان ، فالفرسان تحمي رجالها ، والرجال تحمي فرسانها ، وأنتم ليس لكم رجال تحمى فرسانكم ، فالقوهم في الكتائب والمقانب ، ثم بثوّها ما بين ميمنتهم وميسرتهم ، واجعلوا مع كل كتيبة كتيبة إلى جانبها فإن حمل على إحدى الكتيبتين ترجّلت الأخرى فنفست عنها الخيل والرجال ، ومتى ما شاءت كتيبة ارتفعت ، ومتى ما شاءت كتيبة انحطّت ، ولو كنتم في صفّ واحد فزحفت إليكم الرجال فدفعتم عن الصفّ انتقض وكانت الهزيمة ، ثم وقف فودّعهم ، وسأل الله أن يصحبهم وينصرهم ، فأثنى الناس عليه ودعوا له. فقال له سليمان بن صرد : نعم المنزول به أنت ، أكرمت النزول وأحسنت الضيافة ونصحت في المشورة.
وهذه سجايا العرب وأهل الشرف إذ حلّ بهم ضيف ونزل بساحتهم أجاروه وأكرموه ونصحوا له ـ لعن الله أهل الكوفة فلقد نزل بساحتهم سيّد شباب أهل الجنة وحلّ بين ظهرانيهم فبدل أن يحسنوا له حلؤه هو وأطفاله عن ماء الفرات وأخذوا عليه الشرائع وتركوا أطفاله يتضاغون من العطش حتى قتلوه عطشاناً ...
فعزّ أن تتلظّى بينهم عطشا |
|
والماء يصدر عنه الوحش ريّانا |