فلمّا كان الغد صبّحهم ابن ذي الكلاع في ثمانية آلاف أمدّهم عبيدالله بن زياد ، وبعث إليه ليشتمه ويقع فيه ويقول : إنّما عملت عمل الأغمار وتضيّع عسكرك ومسالحك ، سر إلى الحصين بن نمير حتى توافيه وهو على الناس ، فجاءه فغدوا علينا وغاديناهم ، فقاتلناهم قتالاً لم ير الشيب والمرد مثله قط ، يومنا كلّه لا يحجز بيننا وبين القتال إلّا الصلاة ، حتى أمسينا فتحاجزنا ، وقد والله أكثروا فينا الجراح وأفشيناها فيهم ، ولمّا كان اليوم الثالث وهو يوم الجمعة قاتلناهم أشدّ قتال ، حتى ارتفع الضحى؟ ، ثم إنّ أهل الشام كثرونا وتعطفوا علينا من كلّ جانب ، ورأى سليمان بن صرد ما لقي أصحابه ، فنزل ونادى : عباد الله من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه والوفاء لعهده فإليّ ، ثم كسر جفن سيفه ونزل معه ناس كثير فكسروا جفون سيوفهم ومشوا معه وانزوت خيولهم حتى اختلطت مع الرجال ، فقاتلوهم حتى نزلت الرجال تشتدّ مصلته بالسيوف ، وقد كسروا الجفون ، فحمل الفرسان على الخيل ولا يثبتون ، فقاتلوهم وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة ، وجرحوا فيهم فأكثروا الجراح ، فلمّا رأى الحصين بن نمير صبر القوم وبأسهم بعث الرجال ترميهم بالنبل واكتنفتهم الخيل والرجال فقتل سليمان بن صرد ، وأخذ الراية المسيب بن نجبة ، وقال لسليمان بن صرد : رحمك الله يا أخي فقد صدقت ووفيت بما عليك وبقي ما علينا.
أقول : ما أشبه كلامه هذا بكلام حبيب بن مظاهر يوم عاشوراء حين وقف على مصرع مسلم بن عوسجة الأسدي ، وقال له فيما قال : أبشر يا مسلم بالجنّة ، فقال مسلم : بشرّك الله بخير. فقال له حبيب : يا أخي يا مسلم لو لم أعلم أنّي بالأثر لأحببت أن توصي إليّ بجميع ما أهمك ، قال له : اُوصيك بهذا الغريب ـ وأشار بيده إلى الحسين عليهالسلام ـ قاتل دونه حتى تقتل.
أوصى ابن عوسجة حبيباً قال قا |
|
تل دونه الحمام تذوقا |
نصروه أحياءاً وعند مماتهم |
|
يوصي بنصرته الشفيق شفيقا |