آنئذ من مكة متوجها إلى الكوفة لقيه رجل من همدان ، فقال له : حدّثني الناس بالكوفة ، قال : عمّ كغنم ضل راعيها ، فقال : أنا المختار أنا أحسن رعايتها وأبلغ نهايتها. فقال له الهمداني : اتّق الله واعلم أنك ميت مبعوث ومجزي بعملك إن خيراً فخير وإن شرّاً فشر ، ثم افترقا وأقبل المختار حتى انتهى إلى بحر الحيرة (١) فنزل واغتسل فيه وكان يوم الجمعة وأدهن دهناً يسيراً ، ولبس ثيابه وأعتمّ وتقلّد سيفه ، ثم ركب راحلته فمرّ بمسجد السكون ، وجبانة كندة ، وصار لا يمرّ بمجلس إلّا سلّم على أهله ، وهو يقول : ابشروا بالنصر والفلح أتاكم ما تحبّون ، ومرّ ببني ذهل وبني حجر وبني كندة ، ومرّ ببني هند ، وجهينة ، ثم جاء إلى باب الفيل ، فأناخ راحلته ودخل المسجد ، واستشرف له الناس ، وقالوا : هذا المختار ، قد قدم المختار الى جنب سارية من سواري المسجد فصلّى عندها ، حتى اقيمت الصلاة فصلى مع الناس ، ثم ركد إلى ساريه اُخرى ، فصلّى ما بين الجمعة العصر ، ثم خرج من المسجد ، ومرّ على حلقة همدان ، وعليه ثياب السفر : فقال : ابشروا فإنّي قد قدمت عليكم بما يسرّكم ، ومضى حتى نزل داره.
فكانت الشيعة تختلف إليه وجعل يسألهم عن الناس بالكوفة فأخبروه باجتماع الناس على سليمان بن صرد الخزاعي رئيس التوابين ، وقد كان مسجوناً معه في سجن ابن زياد ، لأنّ ابن زياد لمّا قتل مسلما أخذ يسجن جماعة من أهل الكوفة من جملتهم سليمان هذا ، والمختار ، ولمّا قتل الحسين عليهالسلام وجيء برأسه إلى ابن زياد فأخفاه تحت السرير ، وأمر بإخراج المختار من السجن فاخرج إليه وهو مكبل بالحديد ، فجعل يستهزئ عليه فقال له المختار : يابن زياد أتستهزئ عليَّ وقد قرب فرجي. وقال : من أين يأتيك الفرج يا مختار؟ قال : بلغني أن سيّدي
__________________
(١) هو بحر النجف ، وكان بحراً متلاطم الأمواج ، جف وإلى اليوم على اسمه ـ أرض البحر ـ.