فقلت له : سبحان الله وهذه اعجوبة مع الاُحدوثة الاُولى ، فقال : هو ما أقول لك ، فاحفظه عنّي حتى ترى مصداقه ، ثم حرك راحلته فمضى ، ومضيت معه ساعة أدعوا الله له بالسلامة وحسن الصحابة ، ثم ودّعته وانصرفت عنه.
ولمّا قدم المختار مكة جاء الى عبدالله بن الزبير فسلم عليه فرد عليهالسلام ورحّب به وأوسع له ، وقال : حدّثني عن الناس بالكوفة يا أبا إسحاق. قال : هم لسطانهم في العلانية أولياء ، وفي السرّ أعداء. وبقي المختار على هذا ونحوه بمكة المكرمة حتى إذا جاء جيش يزيد بن معاوية بقيادة الحصين بن نمير السكوني ، وحاصر ابن الزبير ووقع القتال بين الفرقين ، فكان المختار يحارب جيش يزيد دفاعاً عن البيت ، ثم التفت في ذلك اليوم ، ونادى : يا أهل الإسلام إليّ إليّ أنا ابن أبي عبيدة بن مسعود ، وأنا ابن الكرار لا الفرار ، وأنا ابن المقدمين غير المحجمين ، إليّ إليّ يا أهل الحفاظ وحماة الأوتار ، فحمى الناس يومئذ وأبلى وقاتل قتالاً حسناً ، ثم أقام مع ابن الزبير في ذلك الحصار حتى كان يوم اُحرق البيت (١) فقاتل المختار يومئذ في عصابة معه نحو من ثلاثمائة أحسن قتال قاتله أحد من الناس ، إن كان ليقاتل حتى يتبلّد ثم يجلس ويحيط به أصحابه فإذا استراح نهض فقاتل ، فما كان يتوجّه نحو طائفة من أهل الشام إلّا ضاربهم حتى يكشفهم ، فما كان في ذلك اليوم رجلاً أحسن بلاءاً من المختار ، ولمّا انقضى الحصار بعد هلاك يزيد ورجع أهل الشام ، أقام مع ابن الزبير خسمة أشهر ، وخرج بعدها إلى الطائف ، ثم رجع الى مكة.
وكان أهل الكوفة قد اصطلحوا على عامر بن مسعود يصلي بهم حتى يجتمع الناس على إمام يرضونه ، وصار يطلب البيعة لابن الزبير ، فخرج المختار
__________________
(١) احرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الأول سنة ٦٤ هـ.