ورآه قد أقبل بوجهه وحديثه عليهم ، فقال لأبي عمرة بعض أصحابه من الموالي : أما ترى أبا إسحاق قد أقبل على العرب ما ينظر إلينا ، فدعاه المختار ، وقال له : ما يقول لك اولئك الذين رأيتهم يكلّمونك؟ فقال له وأسرّ إليه : شقّ عليهم أصلحك الله صرفك وجهك عنهم إلى العرب ، فقال له قل لهم لا يشقّنّ ذلك عليكم ، فأنتم منّي وأنا منكم ، ثم سكت طويلاً ثم قرأ (إنا من المجرمين منتقمون) فسمعها الموالي منه ، فقال بعضهم لبعض : ابشروا كأنّكم والله به قد قتلهم.
قال الراوي : لمّا ظهر المختار واستمكن ، ونفى ابن مطيع ، وبعث عمّاله إلى الآفاق (١) جعل يجلس للناس غدوة وعشية يمضي بين الخصمين ، ثم قال : والله إنّ لي فيما إزاول وأحاول لشغلاً عن قضاء بين الناس ، قال : فأجلس للناس شريحاً (٢) وقضى بين الناس ، ثم إنّه خافهم فتمارض وسمعهم يقولون : إنّه
__________________
(١) ذكر الطبري في تاريخه قال : أول رجل عقد له المختار راية عبدالله بن الحارث أخو الأشتر عقد له على أرمينية ، وبعث محمد بن عمير بن عطارد على آذربيجان ، وبعث عبدالله بن سعيد بن قيس على الموصل ، وبعث اسحاق بن مسعود على المدائن وأرض جوخي ، وبعث قدامة بن أبي عيسى بن ربيعة النصري وهو حليف لثقيف على بهقباذ الأعلى ، وبعث محمد بن كعب بن قرطة على بهقباذ الأوسط ، وبعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل ، وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان ، وكان مع سعد بن حذيفة ألفا فارس بحلوان ، قال : ورزقه ألف درهم في كل شهر وأمره بقتال الأكراد وبإقامة الطرق ، وكتب إلى عماله في الجبال يأمرهم أن يحملوا أموال كورهم الى سعيد بن حذيفة بحلوان.
(٢) شريح القاضي أبو أمية بن الحرث بن المشجع ، كان من كبار التابعين ، وأدرك الجاهلية ، واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة ، فأقام قاضياً خمس وسبعين ، ولم يتعطل فيها إلّا ثلاث سنين ، امتنع فيها من القضاء في فتنة ابن الزبير ، استعفى الحجاج بن يوسف من القضاه فأعفاه ، ولم يقض بين اثنين حتى مات ، ولم يكن على وجهه طاقة شعر ، وسخط عليه أمير المؤمنين عليهالسلام مرّة فطرده من الكوفة ، ولم يعزله عن القضاء وأمره أن يقيم ببانقيا ، =