قال أرباب السير : ويقال أنّ سديف لمّا دخل على السفاح وأنشأ يقول شعراً :
لا يغرنك ما ترى من رجال |
|
إنّ بين الضلوع داءاً دويّا |
فضع السيف وارفع الصوت حتى |
|
لا ترى فوق ظهرها أمويّا |
فقال له السفاح : يا سديف أهلاً بطلعتك ومرحباً برؤيتك ، قدمت خير مقدم ، وغنمت خير مغنم ، فلك الإكرام والإنعام ، وأمّا أنت ماله من الأعداء فالصفح أجمل ، فإن أكرم الناس من عفا إذا قدر ، وصفح إذا ظفر ، ثم نادى : يا غلام عليَّ بتخت من الثياب وكيس من الورق (١) فأتاه بذلك ، فقال الصفاح : يا سديف خذ هذه الثياب وغير ثيابك ، واصلح بهذه الدنانير حالك ، وعد إلينا في غد انشاءالله ، فلك عندنا ما تحب وترضى.
قال الراوي : فعند ذلك خرج سديف من عند السفاح وأخذ بنو أُمية يحدّث بعضهم فالتفت إليهم السفاح ، وقال لهم : يا بني امية لا يكبرن عليكم ما سمعتم من هذا العبد ، وليس له رأي سديد ولا ينبغي أن نأخذ بأقواله ، وإنّما قال لهم هذا ليرفع ما وقع في نفوسهم من الهلع والجزع.
قال الراوي : ولمّا كان غداة غد بكر إليه بنو أُمية على عادتهم فدخلوا وسلّموا عليه فردّ عليهمالسلام ، وقرّب مراتبهم ورفع مجالسهم ففرحوا لذلك فرحاً شديداً وأخذ يحدّثهم ويلاطفهم ، فبينا هو كذلك إذ دخل عليهم سديف ، وقد غيّر ثيابه ، فسلم على السفاح ، فأشار السفاح إليه بيده وقال : نعم صباحك وبان فلاحك وظهر نجاحك ، كشف الله بك رواكد الهموم وفداك أبي لأنّك آخذ بالثار وكاشف عن قومك وخيمة العار ، وحاشاك أن تكون من الغافلين عن ثار قبيلتك فأغضب لعشيرتك يابن الرؤساء من هاشم ، والسراة من بني عبد مناف.
__________________
(١) الورق الدراهم المضروبة جمعها أوراق ووراق.