ومنهم من يقول : كيف صار يقرب أعداءه وقتلة آبائه.
قال أبو الحسن : فبينما السفاح ذات يوم جالس وحوله بنو أُمية عليهم الدروع المطرزة والعمائم الملوّنة ، وقد تقلدوا بالسيوف المذهبة المحلّاة بالأحجار الكريمة إذ دخل عليه بعض حجابه وهو مذعور ، فقال له : يا أمير المؤمنين إنّ على الباب رجل ذميم المنظر عظيم المخبر شاحب اللون رثّ الأطمار يريد الدخول عليك ، فقلت له : امض واغسل بدنك وثيابك وتطيّب حتى أستأذن لك منه ، فتدخّل عليه فنظر إلى شزراً ، وقال : إني آليت أن لا أنزع ثوباً ولا أستعمل طيباً ولا ألذّ بعيش حتى أصل إلى أمير المؤمنين وها هو على الباب منتظر ردّ الجواب. قال : ولمّا سمع السفاح ذلك ، قال : صاحبنا وعبدنا سديف (١) وربّ الكعبة أذنا له فليدخل.
قال الراوي : ولمّا دخل سديف وسلم على السفاح وأنشأ يقول :
أصبح الملك ثابت الأساس |
|
بالبهاليل من بني العباس |
طلبوا وتر هاشم فشفوها |
|
بعد ميل من الزمان وباس |
__________________
(١) سديف كان عبداً لبني هاشم ، وكان فصيح اللسان ، قوي الجنان ، وكان يخرج في موسم الحج الى بيت الله الحرام ، ويصعد على ذروة من الأرض ينادي : أيها الناس ، فيجتمع إليه الناس ، ويبسط لسانه بمدح بني هاشم ويهجو بني اُمية ويصغر ملكهم ويحرّض الناس عليهم ، ليخلعوا الخلافة منهم ويجعلوها في بني هاشم الذي جعلها الله فيهم ، وهم آل بيت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى أنّه جاء في موسم الحج وصعد زمزم وصاح برفيع صوته : يا أهل الأرض ، ويا أهل الأبطح والصفا وباب مكة والكعبة العليا ، فدونكم فاسمعوا ، والله على ما أقول وكيل ، فتكلّم في بني امية ما استطاع ، فقام إليه جماعة من بني أمية ، وضربوه ضرباً موجعا حتى غشي عليه حتى ظنوا انّه مات ، قال الراوي : فجاءت امرأة فسقته شراباً بعد أن أفاق ، وجعلت تمرضه حتى برئ وخرج من مكّة الى الشعاب ورؤوس الجبال مثله في بحار الأنوار جلد العاشر منه.