هذه القرية رجل من أهل المودة أهديته إليه ، قال : يا غلام خذ هذه السلّة منه ، وقال للرجل : عد إلينا لتأخذ سلّتك ، قال : ثم أقبل علينا رجل عليه ثياب رثّة ، وقال : أعطوني ممّا رزقكم الله ، فقال لي الحسين : إدفع إليه السلّة ، وقال له : خذ ما فيها وردّ الإناء ، ثم أقبل عَلَيَّ وقال : إذا رد السائل السلة فادفع إليه خمسين ديناراً ، وإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائة ديناراً ، فقلت : جعلت فدآك آنفاً بعث عيناً لتقضى بها ديناً عليك ، فسألك سائل فأعطيته طعاماً وهو مقنع له ، فلم ترض حتى أمرت له بخمسين ديناراً ، فقال : يا حسن إن لنا ربّاً يعرف الحساب ، إذا جاء السائل فادفع إليه مائة دينار ، فإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائتي دينار ، والذي نفسي بيده إني لأخاف أن لا يقبل منّي الذهب والفضّة والتراب عندي بمنزلة واحدة ، هذا ما كان من كرمه وجوده. وأمّا الأخبار في فضله متواترة ومشهورة.
وأمّا سبب خروجه ، قالوا : إنّ الهادي رابع خلفاء بني العباس ولّى المدينة رجلاً من ولد عمر بن الخطاب ، وهو عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر ، فضيّق العمري على الهاشميين أشدّ التضييق ، وكان ينال منهم بكل ما يستطيعه من الأذى والضرب ، حتى ضرب الحسن بن محمّد بن عبدالله المحض يوماً مائتين سوطاً وضرب رجلين من خواصّه ، ثم أمر فجعلوا الحبال في أعناقهم وطيف بهم في سكك المدينة مكشّفي الظهور ، وأشاع في الناس بأنّه وجدهم على شراب ، فجاء إليه الحسين بن علي صاحب فخّ فقال له : لقد خزيتهم ، ولم يكن لك أن تضربهم فلم تطوف بهم؟ فأمر العمري بهم فقبض عليهم وزجّوا في السجن ، فجاء الحسين وضمن له وكفلهم فأخرجهم من الحبس.
قال الراوي : فغاب الحسن بن محمد عن المدينة أيأماً لشغل له ، فبلغ ذلك العمري فغضب وأحضر الحسين بن علي ويحيى بن عبدالله بن الحسن فأغلظ لهما وهدّدهما وقال : لتأتياني به أو لأسوأنّكما ، فإنّ له ثلاثة أيام لم يحضر