كلّ ناحية ، حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر لوذاًكما لاذ الحمام من الصقر ، فوالله يا أمير المؤمنين ، ما كان إلّا جزرة جزور أو نومة قائل ، حتى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرمّلة ، وخدودهم معفّرة ، وتصهرهم الشمس وتسفي عليهم الرياح زوارهم الرخم والعقبان ، فأطرق يزيد هنيئة ، ثم رفع رأسه ، وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، أمّا أنّي لو كنت صاحبه لعفوت عنه.
وعن ربيعة بن عمرو الجرشي : قال : وكنت أنا عند يزيد إذ سمعت صوت مخفر يقول : هذا مخفر بن ثعلبة أتى باللئام الفجرة ، فأجابه مجيب : ما ولدت أُم مخفر شرّ وألأم منه.
قال السيد رحمهالله (١) : أدخل ثقل الحسين عليهالسلام ونساءه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرّنون بالحبال ، فلمّا وقفوا بين يديه وهم على تلك الحالة ، قال له علي بن الحسين عليهالسلام : أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولو يرانا على هذه الحالة؟
قال : فأمر يزيد (لعنه الله) بالحبال فقطعت ، ثم وضع رأس الحسين عليهالسلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لأن لا ينظرون إليه.
قالت فاطمة ابنة الحسين عليهالسلام : وقام شامي أحمر ، والتفت إلى يزيد وقال له : يا أمير هب لي هذه الجارية تكون خادمة لي ، يعنيني بذلك ، فأرعدت وظننت إن ذلك جايز لهم ، فأخذت بثياب عمّتي زينب ، وقلت لها : عمة اُوتمت على صغر سنّي واستخدم لأهل الشام؟! وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت له عمّتي : ما كان ذلك لك ولا لأميرك. فقال يزيد : كذبت والله إن ذلك لي لو شئت أن أفعل
__________________
(١) ابن طاووس رحمهالله في ص ٢١٣ من كتابه الملهوف على قتلى الطفوف.