سلطاني ففعل الله به ما رأيت ، ثم تلا هذه الآية (وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (١). فقال علي بن الحسين : كلّا ما هذه فينا نزلت ، أنما نزلت فينا (مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (٢) فنحن الذين لا نأس على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا منها.
فغضب يزيد ، وجعل يلعب بلحيته وشاور جلساءه في أمره ، فأشاوا عليه بقتله ، فابتدر أبو جعفر الباقر عليهالسلام بالكلام وله من العمر ثلاث سنين فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ليزيد :
(يا يزيد ، أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه ، حيث شاورهم في أمر موسى وهارون فإنّهم قالوا : (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحّارٍ عَلِيمٍ) (٣) وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ولهذا سبب). فقال يزيد : وما السبب؟ فقال عليهالسلام : (إنّ هؤلاء كانوا لرشدة ، وهؤلاء لغير رشدة ، ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلّا أولاد الأدعياء). فأمسك يزيد مطرقاً ومتعجّباً من كلام أبي جعفر عليهالسلام كما أعجب الحاضرون لنباهته لصغر سنّه.
وذكر المجلسي في البحار ، أنّه لمّا حمل علي بن الحسين عليهالسلام الى يزيد (لعنه الله) وهمّ يزيد بضرب عنقه ، فأوقفه بين يديه ، وهو يكلّمه ويستنطقه بكلام ليوجب به قتله ، وعلي عليهالسلام يجيبه حيث ما يكلّمه ، وكانت في يد السجاد عليهالسلام سبحة صغيرة يديرها بأصابعه وهو يتلكم ، فقال له يزيد (لعنه الله) أنا اُكلمك وأّت
__________________
(١) سورة الشورى ٣٠.
(٢) سورة الحديد ٢٣.
(٣) سورة الشعراء ٣٧.