أن الغزاة لم يتقدموا إطلاقا فيما وراء جبلين ، والذي يشير إلى أنهم اضطروا بعد قليل إلى إرساء حدهم عند «خمون» (الأشمونين مركز ملوي) (١).
ومنها (ثالثا) أن التوراة تصور لنا شعور المصريين تجاه الإسرائيليين بأنه شعور عدائي ، أو على الأقل غير ودي ، منذ اللحظة الأولى التي قدم الإسرائيليون فيها بأخيهم بنيامين ، إذ نرى يوسف يولم وليمة تكريم لأخيه ، ولكنه يضطر إلى أن تكون له وليمة خاصة ، وثانية لإخوته ، وثالثة للمصريين ، وذلك «لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعاما مع العبرانيين ، لأنه رجس عند المصريين» (٢) ، وهكذا تبدو نظرة المصريين للعبرانيين واضحة لنا منذ أول لقاء بينهما ، وفي ضيافة يوسف العبراني نفسه ، وهي نظرة لا تدل بحال من الأحوال على احترام المصريين للعبرانيين ، وإنما تدل على أنفة المصريين وتأبيهم عن مخالطة العبرانيين ، وعدم استعدادهم حتى للأكل معهم ، رغم أنهم يعرفون أنهم إخوة يوسف عزيز مصر وقت ذاك ، والأمين على خزائنها ، والأثير عند مليكها ، وليس من شك أن هذا إن دلّ على شيء ، فإنما يدل على أن القطيعة بين الفريقين كانت واضحة لا تحتاج إلى بيان (٣).
ومنها (رابعا) أن التوراة قد حددت اسم من اشترى يوسف ووظيفته ، وأنه «فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرطة» (٤) وبدهي أن القرآن الكريم لم يفعل ذلك ، لأنه ـ كما قلنا من قبل ـ ليس كتاب حوادث وتواريخ ، وإنما قصصه للعبرة والعظة ، وإن لقّبه «بالعزيز» ، ولا شأن للقرآن بروايات
__________________
(١) ١٦٨ Ibid ,P وكذا كتابنا «حركات التحرير في مصر القديمة» ص ١٤٣ ـ ١٤٥.
(٢) تكوين ٤٣ : ٣٢ ، قارن : الظاهرة القرآنية ص ٣٠٥.
(٣) كتابنا «إسرائيل» ص ٢٤٣ (الإسكندرية ١٩٨٣).
(٤) تكوين : ٣٩ : ١.