ويرى الإمام ابن تيمية أن الله في قوله : (مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) قد ذكر إرسالا يعم النوعين ، وقد خص أحدهما بأنه رسول ، فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمر بتبليغ رسالته إلى من خالف الله ، كنوح عليهالسلام ، والذي ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض،وقد كان قبله أنبياء كشيث وإدريس ، وقبلهما آدم كان نبيا مكلما (١).
على أن العقل ، فيما يرى الشرقاوي ، لا يستسيغ أن يوحي الله العلي القدير إلى نبي بشرع ثم لا يأمره بتبليغه ، لأن الشرع أمانة وعلم وأداء واجب ، وكتمان العلم نقص ورذيله (٢) ، ثم إن الله لا ينزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس ، ثم يموت هذا العلم بموته ، هذا فضلا عن الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ، والذي يقول فيه (ص) «عرضت على الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد» ، فدل هذا على أن الأنبياء مأمورون بالبلاغ ، وأنهم يتفاوتون في مدى الاستجابة لهم (٣).
على أن هناك وجها آخر للنظر يذهب إلى أن الرسول من أوحى إليه بشرع ، وأنزل عليه كتاب ، كإبراهيم وموسى. وداود وعيسى ومحمد ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، والنبي الذي ليس برسول هو من أوحى إليه بشرع ، ولم ينزل عليه كتاب ، كإسماعيل وشعيب ويونس ولوط وزكريا وغيرهم من الأنبياء ، وهذا التعريف لا يستقيم أيضا لأن الله سبحانه وتعالى قد وصف بعض الأنبياء الذين لم تنزل عليهم كتب بالرسالة (٤) ، فقال عن إسماعيل عليهالسلام. «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد
__________________
(١) ابن تيمية : كتاب النبوات ص ١٧٣.
(٢) محمود الشرقاوي : المرجع السابق ٩ ـ ١٠.
(٣) عمر سليمان الأشقر : المرجع السابق ص ١٤ ـ ١٥.
(٤) محمود الشرقاوي : المرجع السابق ص ١٠.