الإسرائيليين لم يكونوا عبيدا مسخرين في مصر ، وإنما كانوا قوما طفيليين اعتادوا حياة الدعة والرخاء في ظل رعاية الهكسوس وإيثارهم على الوطنيين ، وحين ولى ذلك كله ، وتحررت البلاد من نير الهكسوس ، وأراد الفراعين إعادة الدولة المصرية إلى ما كانت عليه من مجد وسؤدد ، فكان لزاما عليهم الاهتمام بزراعتها وإعادة ما تهدم من منشآتها ، وهنا كان على القاطنين بأرض الكنانة ، الإسهام في هذا الجهد العظيم ، فطلب أولوا الأمر من بني إسرائيل أن يشاركوا في ذلك كله ، لا أن يكون عملهم مقصورا على رعاية المواشي والأغنام ، وهو أمر يعود عليهم بالنفع وحدهم.
وهنا غضب الإسرائيليون لأنهم ما تعودوا أن يشاركوا بجهد في إقامة الدولة من كبوتها ، ولأنهم سوف يفقدون امتيازاتهم القديمة ، وربما فكروا في العمل ضد الدولة ، أو أن الدولة نفسها كانت تخشى ـ كما تقول التوراة (١) ـ أن يتآمر بنو إسرائيل ضدها في محاولة للانتكاس ، بل إن بعض الباحثين إنما يذهب إلى أن شعب مصر إنما كان قد اكتشف فعلا أن بني إسرائيل يتآمرون عليه (٢).
وعلى أي حال ، فلو اتفقنا مع الآراء التي تنادي بأن فرعون التسخير ، إنما كان «رعمسيس الثاني» (٣) ـ أو حتى أبوه «سيتي الأول» ، لرأينا أن ظروف البلاد إنما كانت تستدعي وقت ذاك الحذر والحيطة من الأخطار الخارجية التي كانت تهددها ، ولم يكن لرعمسيس ـ أو أبوه ، ـ بداهة أن يفاجىء الناس ـ على غير علة ولا سبب ـ بتلك السياسة ، عن مجرد مزاج مال
__________________
(١) خروج ١ : ١٠.
(٢) سليمان مظهر : قصة العقائد ص ٢٨٣.
(٣) قاموس الكتاب المقدس ٢ / ٩٢٣ ، ١٣٤ ، ١٢٠. M.Noh ,op ـ cit ,p وكذا. E ,naville , ١٣٤ ، ١٢٠.J. Finegan, op ـ cit, p.
٣٩ وكذاArchaeology of the Old Testament ,p ..