اللحم المشوي كل يوم ، وثوبا من الكتان النظيف مرتين كل شهر» (١) ، وفي الواقع أنه لو كان ما يقوله «سيتي» صحيحا ، لكان عماله يعيشون في مستوى يقارب مستوى العمال في العصر الحديث ، وفي أكثر البلاد تقدما ، فإذا أضفنا إلى ذلك أن «سيتي الأول» هذا ، أو ابنه رعمسيس الثاني ، هما اللذان تدور حولهما روايات التوراة عن السخرة ، وبناء مدينتي «فيثوم ورعمسيس» ، لتبين لنا مدى ما في رواية التوراة من مجافاة للحقيقة.
ولعلنا نستخلص الدليل على حسن معاملة الفراعين للعمال من بني إسرائيل من توراة بني إسرائيل نفسها ، ذلك أننا نقرأ في سفر الخروج أن الإسرائيليين قد ثاروا على موسى ، ولما يمضي شهر ونصف الشهر على خروجهم من مصر ، بعد أن أفقدهم موسى حياة الرخاء في مصر ، وجاء بهم إلى البرية (٢) ، ثم سرعان ما تمضي فترة فتعود الثورة ويشتد الحنين إلى مصر ، ومن ثم نقرأ في سفر العدد : «فعاد بنو إسرائيل أيضا ، وبكوا وقالوا من يطعمنا لحما ، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانا ، والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم (٣) ، بل إن التوراة في سفر الخروج إنما تؤكد أن الإسرائيليين إنما كانوا يعارضون في الخروج من مصر منذ بادئ الأمر ، تقول التوراة ـ على لسان الإسرائيليين ـ «ما ذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر ، أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين : كف عنا فنخدم المصريين» (٤).
وهكذا يبدو لي أن الأمر لم يكن بالصورة التي قدمتها التوراة ، وأن
__________________
(١) ٤١٤.p ، ١٩٠٧. J. H. Breasted, Ancient Records of Egypt, IV, Chicago ,
(٢) خروج ١٦ : ٢.
(٣) عدد ١١ : ٤ ـ ٦.
(٤) خروج : ١٤ : ١١ ـ ١٢٢.