كانت ـ تنعم بخيرات الكنانة ودون أن تؤدي عملا يتفق وظروف الحرب هذه ، فضلا عن الخيانة والتجسس ، بخاصة وأن الإسرائيليين كانوا يسكنون في منطقة الحدود الشرقية ، وهو التي اضطر رعمسيس تحت ضغط الظروف أن ينقل إليها عاصمته ، لتكون في مكان وسط بين مملكته في مصر وأملاكها في آسيا ، ومن ثم يصبح على مقربة من الأحداث التي كانت تدور وقت ذاك في أملاك مصر الأسيوية ، أضف إلى ذلك كله أن الإسرائيليين إنما كانوا يرتبطون بفلسطين بالذات بالأساطير التي تجعلها «أرض الميعاد» ، فضلا عن أنهم قدموا إلى مصر منها كذلك ، ومن هنا كان خوف الفرعون من أن يكونوا جواسيس عليه ، لمصلحة أعدائه من الأمراء الأسيويين ، فضلا عن الحيثيين.
وانطلاقا من هذا كله ، كان أمر فرعون أن يعمل عبيده الإسرائيليين في بناء المدن الجديدة ـ مكرهين كانوا أم راغبين ـ بل وتحت إشراف رؤساء مصريين ، ولم يكن في هذا الأمر شيء من تعنت أو شذوذ ـ فما أظن ـ فالفرعون أراد بوضعهم تحت إشراف المصريين أن يكون في مأمن من جانبهم ، وحتى لا يصاب بضربة خيانة منهم ، في وقت هو في أشد الحاجة إلى من يؤمن له ظهره إبان قتاله المرير ضد الحيثيين ، وضد الأمراء الأسيويين ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن هذه الشوامخ الراسيات على أرض الكنانة قد قام بها من قبل مصريون ، فما الغريب في الأمر ، أن يسهم بنو إسرائيل في بناء مدينتي «فيثوم ورعمسيس» ـ وهما المدينتان اللتان شيدهما رعمسيس الثاني في نفس المنطقة التي يقيم فيها الإسرائيليون ـ وهو إسهام لم يتجاوز صنع قوالب من اللبن تستخدم في بناء المدن ، بل إنه في أشد حالات قسوته ـ كما تصوره التوراة (١) ـ أن يجمع الإسرائيليون اللبن الذي يستخدمونه في صنع اللبن بأنفسهم من القرى المصرية ، بعد أن كان
__________________
(١) خروج ١ : ٨ ـ ١٤ ، ٥ : ٦ ـ ١١.