المشرفون عليهم هم الذين يقومون بجمعه.
هذا هو العمل القاسي الذي كلف به الإسرائيليون ، إسهام في بناء بعض مدن الدلتا ، والحق أنه ما كان من المنطق ، وما كان من العدل ، أن يعمل المصريون ـ فضلا عن الأسرى الأسيويين (١) ـ في الحقول ، وفي بناء المدن وتشييد المحاريب والتماثيل ، ثم يخوض أشبال الكنانة وأسودها بعد ذلك المعارك الضارية ، يقتلون ويقتلون ، بينما يظل الإسرائيليون ـ ما شاء الله لهم أن يظلوا ـ عالة على البلاد التي استضافتهم نيفا وأربعة قرون ، منذ أن وصلوا إليها لاجئين ، يطلبون الرزق ، ويلتمسون وسائل العيش الناعم ، والحياة السهلة الرضية ، بين أهلها الكرام أبدا ، دون أن يقوموا لأهلها جزءا ولا شكورا.
والرأي عندي ، أنه حتى هذه المرحلة ، لم يكن هناك تعذيب للإسرائيليين قد بدأ بعد ، وإنما العذاب المهين قد بدأ ، حين «أمر فرعون جميع شعبه قائلا : كل ابن يولد تطرحونه في النهر ، لكن كل بنت تستحيونها (٢)» ؛ وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ، يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) (٣) ، وقول : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ، يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٤)
__________________
(١) أنظر عن استخدام الأسرى في المباني :
٤٩٨ J.Breasted ,ARE ,III ,no. وكذا Barasanti et
Gauthier, Steles Trouvees a Quadi ES ـ Seboua (nubi) ASAE, XI,
٨٤.p ، ١٩١١.
(٢) خروج ١ : ٢٣.
(٣) سورة القصص : آية ٤ ، وأنظر : تفسير روح المعاني ٢٠ / ٤٢ ـ ٤٤ ، في ظلال القرآن ٢٠ / ٢٦٧٦ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ (دار إحياء التراث العربي ـ بيروت) ، تفسير القرطبي ص ٤٩٦٣ ـ ٤٩٦٥.
(٤) سورة البقرة : آية ٤٩ ، وأنظر : تفسير روح المعاني ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٤ ، تفسير الكشاف ١ / ـ