وسؤال البداهة الآن : لم تغير الحال إلى هذا المصير الأليم؟ ولم أذاق الفرعون بني إسرائيل العذاب المهين؟
إن الإسرائيليين ـ كما هو معروف ـ لم يكونوا أول الشعوب الأسيوية التي استضافتها مصر ، ولم يكونوا كذلك آخرها ، وبخاصة إذا أرخنا مرحلة الاضطهاد هذه بعصر رعمسيس الثاني ، فإننا نعلم أن عاصمته التي سخر الإسرائيليين في بنائها ، طبقا لرواية التوراة ، مثل سائر المدن الكبرى في مصر حيث كان يخالط المصريون الليبيين والزنوج والأسيويين ، ولا شك في أن موقع العاصمة الجديدة بين مصر وأقاليم الشرق جعل الوفود تقصدها ، فظهر الغرباء في بعض وظائف الدولة ، وامتلأت لغة المصريين بكلمات أسيوية سامية وردت كثيرا في الأدب المصري ، وبخاصة في القرن الثالث عشر ق. م ، وكان ازدواج اللغة واضحا في عاصمة الرعامسة ، هذا فضلا عن أن الآلهة الكنعانية قد مثلت في مجمع الآلهة المصري ، كذلك شاعت بين المصريين بعض العادات السامية ، بل أصبح للغرباء في العاصمة أحياء خاصة ، كما أصبح لغير المصريين من جندها ثكنات خاصة بهم في قلبها وفي ضواحيها (١).
__________________
ـ ١٢٧ ـ ١٣٨ ، تفسير الطبري ٢ / ٣٦ ـ ٢٩ (دار المعارف) ، تفسير النسفي ١ / ٤٩ ، تفسير القرطبي ص ٢٢٥ ـ ٢٣٠ تفسير الطبرسي ٢ / ٢٣١ ـ ٢١٥ ، التفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية ١ / ٩٨ ـ ١٠٠ ، تفسير البحر المحيط ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، تفسير المنار ١ / ٣٠٨ ـ ٣١٣ ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ١ / ٦٨ ـ ٦٩ (طهرا ١٣٧٧ ه) ، في ظلال القرآن ١ / ٧٠ ـ ٧٢ ، تفسير ابن كثير ١ / ١٢٨ ١٣٠ (القاهرة ١٩٧١) الجواهر في تفسير القرآن الكريم ١ / ٥٩ ـ ٦١ (للشيخ طنطاوي جوهري).
(١) بيير مونتيه : الحياة اليومية في مصر الرعامسة ، ترجمة عزيز مرقس منصور ، القاهرة ١٩٦٥ ص ١٩ ـ ٢٠ ، وأنظر
W. F. Albright, The Biblical Period, From Abraham to Ezra, N. Y
. ١٤.p ، ١٩٦٣.