وإذا كان ذلك كذلك ، فلم حاق الإسرائيليون بغضب فرعون دون سواهم من ضيوف مصر وأسراها؟
وهنا علينا أن نبحث عن سبب مقنع لهذا التحول الخطير في حياة الإسرائيليين في مصر ، وليس هذا السبب ـ بحال من الأحوال ـ ما ترويه الأساطير من أن الإسرائيليين قد أذاعوا بين الناس ـ أو أن الكهنة المصريين قد تنبّئوا ـ بأنه سيولد من بني إسرائيل من سيكون على يديه زوال فرعون وضياع ملكه (١) ، فلعمري إنما تلك روايات رأينا مثلها عن إبراهيم الخليل (٢) وعن المسيح (٣) ، عليهماالسلام ، فضلا عن تلك التي دارت حول «زرادشت» (٤).
ومن هنا ، فليس أمامنا سوى أن نفترض أن أمرا قد حدث من الإسرائيليين الذين ساءهم ما كانوا به من عمل في مدينتي فيثوم ورعمسيس ، فعصف ذلك الأمر بالبقية الباقية من صبر فرعون ، وإن كنا لا ندري على التحقيق ما هو هذا الأمر ، فربما كان خيانة ، وربما كان بداية تمرد ، أو على الأقل ، فإن الإسرائيليين ربما بدءوا يوجهون حربا نفسية لخلخلة الرأي العام المصري ـ إن صح هذا التعبير ـ وبخاصة في منطقة شرق الدلتا ، التي كانت تعج بالأجانب من كل جنس ، إن لم يكونوا قد قاموا بالاتصال بالعدو الأسيوي ، والقوات المصرية في حالة نزال معه على الأرض الأسيوية نفسها ، وربما اكتشف المصريون ذلك بعد عودة قواتهم من معركة قادش
__________________
(١) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ١٣٧ ـ ٢٣٨ ، قصص الأنبياء ٢ / ٤ ـ ٥ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٣ مروج الذهب ١ / ٦١.
(٢) تاريخ الطبري ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ، ابن الأثير : الكامل في التاريخ ١ / ٩٤ ـ ٩٥ ، ابن كثير البداية والنهاية ١ / ١٤٨ ، أبو الفداء المختصر في أخبار البشر ١ / ١٣.
(٣) متى ٢ : ١ ـ ٢٣.
(٤) على عبد الواحد وافي : الأسفار المقدسة ص ١٢٩ ـ ١٣٠.