التوحيد التي كانت قد عرفت قبل تولي يوسف مقاليد الحكم في مصر ، لا بد أن تكون قد انتشرت بعد ذلك واستقرت على نطاق واسع في أثناء توليه الحكم ، ثم من بعد ذلك في عهد أسرة الرعاة (الهكسوس) فلما استرد الفراعنة زمام الأمور في الأسرة الثامنة عشرة أخذوا يقاومون ديانة التوحيد ممثلة في ذرية يعقوب التي تكاثرت في مصر ، لإعادة الوثنية التي تقوم عليها الفرعونية ، وهكذا يكشف لنا سببا أصيلا من أسباب اضطهاد الفراعنة بعد ذلك لبني يعقوب ، إلى جانب السبب السياسي ، وهو أنهم جاءوا واستوطنوا وحكموا واستقروا في عهد ملوك الرعاة (الهكسوس) فلما طرد المصريون ملوك الرعاة طاردوا حلفاءهم من بني يعقوب أيضا ، وإن كان إختلاف العقيدتين ينبغي أن يكون هو التفسير الأقوى لذلك الاضطهاد الفظيع ، ذلك أن انتشار عقيدة التوحيد الصحيحة يحطم القاعدة التي يقوم عليها ملك الفراعنة ، فهي العدو الأصيل للطواغيت وحكم الطواغيت وربوبية الطواغيت (١).
ورغم جاذبية هذه النظرية ، وما فيها من أوجه صواب ، فإن فيها نقاط ضعف أيضا ، منها (أولا) أن الهكسوس ، على الأقل بعد عهد يوسف عليهالسلام ، لم يكونوا موحدين بدليل أن ملكهم أبو فيس الذي قامت ضده حرب التحرير لم يكن موحدا ، فلقد أطلق على نفسه في رسالته لأمير كوش «عاوسررع ، ابن رع ، أبوبي» ، كما وصف نفسه ، كما أشرنا من قبل ، بأنه «ابن رع من جسده» و «الصورة الحية لرع على الأرض» ، وبدهي أن هذه ليست أسماء أو صفات الموحدين ، ومنها (ثانيا) أن كثيرا من ملوك الهكسوس ، بعد عهد يوسف ، قد قبلوا عبادة إله الشمس رع ، بجانب ست ، كما أن كثيرا من ملوكهم ، كما أشرنا من قبل ، كانت لهم أسماء مركبة من اسم «رع» مثل «هائلة هي قوة رع» و «رع هو سيد السيف».
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٦١ (بيروت ١٩٨٢).