ببني إسرائيل ، فما أن ولد موسى عليهالسلام حتى أخفته أمه عن العيون حينا من الدهر ، قدرته التوراة وبعض المفسرين بثلاثة أشهر (١) ، ولكنها سرعان ما خشيت أن يفتضح أمرها ، بل وكادت تبدي به لو لا أن ربط الله على قلبها ، ففزعت إلى الله مما تخشى على وليدها من بطش فرعون ، فأوحى الله إليها (٢) (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ، وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣).
وشاءت إرادة الله ، ولا راد لمشيئته ، أن تقول لهذا الملك الجبار المغرور بكثرة جنوده وسلطة بأسه واتساع ملكه ، قد حكم العظيم الذي لا يغلب ولا يمانع ولا يخالف أقداره ، أن هذا المولود الذي تحترز منه ، وقد قتلت بسببه من النفوس ما لا يعد ولا يحصى ، لا يكون مرباه إلا في دارك وعلى فراشك ، ولا يتغذى إلا بطعامك وشرابك في منزلك ، وأنت الذي تتبناه وتربيه ، ثم يكون هلاكك في دنياك وأخراك على يديه ، لتكذيبك ما جاء به من الحق المبين ، حتى تعلم أنت وسائر الخلق أن الله هو الفعال لما يريد (٤) ، ومن ثم فإن إرادة الله إنما تلقى بالتابوت ومن فيه إلى جوار قصر
__________________
(١) خروج ٢ / ٢ ، تفسير النسفي ٣ / ٢٢٧.
(٢) يقول ابن كثير : ليس هذا بوحي نبوة ، كما زعمه ابن حزم وغير واحد من المتكلمين ، بل الصحيح أنه وحي إلهام وإرشاد ، كما حكاه أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة ، هذا وقد ورد عن ابن عباس : أنه وحي إلهام ، وقال مقاتل : أخبرها جبريل بذلك ، قال القرطبي : فعلى قول مقاتل هو وحي إعلام ، لا إلهام ، وأجمع الكل على أنها لم تكن بنية وإنما إرسال الملك إليها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى ، كما في الحديث المشهور ، وكذلك تكليم الملائكة للناس من غير نبوة ، وقد سلمت على «عمران بن حصين» ولم يكن نبيا (تفسير البيضاوي ٢ / ٨٨ ، تفسير القرطبي ١٣ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، صفوة التفاسير ٢ / ٤٢٥ ، البداية والنهاية ١ / ٢٣٩.
(٣) سورة القصص : آية ٧ ، وأنظر : مختصر تفسير ابن كثير ٣ / ٦.
(٤) ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٣٨.