عباس أنه «يثري» صاحب مدين ، ثم قال : الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر ، ولا خبر يجب به الحجة في ذلك (١).
ويميل صاحب الظلال (٥/ ٢٦٨٧) إلى ترجيح أن صهر موسى عليهالسلام ليس شعيبا النبي ، وإنما هو شيخ آخر من مدين ، والذي يحمل على هذا الترجيح أن هذا الرجل شيخ كبير ، وشعيب شهد مهلك قومه المكذبين له ، ولم يبق معه إلا المؤمنون به ، فلو كان هو شعيب النبي بين بقية قومه المؤمنين ، ما سقوا قبل بنتيّ نبيّهم الشيخ الكبير ، فليس هذا سلوك قوم مؤمنين ، ولا معاملتهم لنبيّهم وبناته من أول جيل ، يضاف إلى هذا أن القرآن لم يذكر شيئا عن تعليمه لموسى صهره ، ولو كان شعيبا النبي لسمعنا صوت النبوة في شيء من هذا مع موسى ، وقد عاش معه عشر سنوات.
وأيا ما كان الأمر ، فلم يكن لموسى من بلد يعرفه ، ولا وطن يهفو إليه ويتطلع إلى رؤيته ، بعد ذلك المنفى الذي فرض عليه أو قدّر عليه ، سوى مسقط رأسه مصر ، وكأنى به يستعجل الأيام ليعود إلى ذلك البلد الذي ولد فيه ، ونشأ في ربوعه ، وتنسم هواءه وسعد به ، وهو لذلك لم يقطع على نفسه أطول الأجلين حين العهد مع حميه ، فأعطى الأمل ، وخص نفسه بالخيار (٢) ، غير أنه من المعروف أن موسى عليهالسلام أتم المدة ، وهي عشر سنين ، وقد روى أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل أي الأجلين قضى موسى ، قال : أكملهما وأفضلهما ، وعن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال سألت جبريل : أي الأجلين قضى موسى ، قال : أتمهما وأكملهما ، وعن أبي ذر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل أي الأجلين قضى موسى ، قال : أوفاهما وأبرهما ، قال : وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما ، وأخرج ابن مردوية عن أبي
__________________
(١) مختصر ابن كثير ٣ / ١٠ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٠٠ ، ابن الأثير ١ / ٩٩.
(٢) أحمد عبد الحميد : المرجع السابق ص ١٠١.