به يبعث ، كما يقول ابن كثير إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك ، وأجبرهم وأشدهم كفرا ، وأكثرهم جنودا ، وأبلغهم تمردا ، ولا ريب في أن في أحداث التاريخ مصداقا لذلك ، وموسى نفسه يعرف من هو فرعون ، فقد ربّي في قصره ، وشهد طغيانه وجبروته ، وشاهد ما يصبه على قومه من بني إسرائيل من عذاب ونكال ، إن موسى ، عليهالسلام ، يعرف ذلك كله ويعرف أنه ذاهب لمواجهة أقوى ملك في الأرض وأطغى جبار ، وأن قومه قد أذلهم الاستعباد الطويل وأفسد فطرتهم ، ومن ثم فإن رسالة موسى بالذات ، قد تكون فيما يرى صاحب الظلال ، أضخم تكليف تلقاه بشر ، عدا رسالة سيد الأولين والآخرين محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر ، أعتى ملوك الأرض في زمانه ، وأقدمهم عرشا ، وأثبتهم ملكا ، وأعرقهم حضارة ، وأشدهم بعدا للخلق ، واستعلاء في الأرض.
وهو مرسل أيضا لاستنقاذ قوم قد شربوا من كئوس الذل حتى استمرءوا مذاقه ، فمرءوا عليه واستكانوا دهرا طويلا ، والذل يفسد الفطرة البشرية حتى تأسن وتتعفن ، ويذهب بما فيها من الخير والجمال والتطلع ، ومن الاشمئزاز من العفن والنتن والرجس والدنس ، فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير ، وهو مرسل إلى قوم لهم عقيدة قديمة انحرفوا عنها وفسدت صورتها في قلوبهم ، فلا هي قلوب خامة تتقبل العقيدة الجديدة ، ببراءة وسلامة ، ولا هي باقية على عقيدتها القديمة ، ومعالجة مثل هذه القلوب شاقة عسيرة ، وهو في اختصار مرسل لإعادة بناء أمة ، بل لإنشائها من أساس ، فلأول مرة سيصبح بنو إسرائيل شعبا مستقلا ، له حياة خاصة ، تحكمها رسالة ، وإنشاء الأمم عمل ضخم شاق عسير (١).
ومن هنا كانت دعوة موسى وهارون «ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٩٠.