أن يطغي» ، والفرط هو التسرع بالأذى للوهلة الأولى ، والطغيان أشمل من الأذى ، وفرعون يومئذ لا يتحرج من أحدهما أو كليهما ، وهنا يجيء الرد الحاسم للنبيين الكريمين (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) ، ثم يحدد لهما قاعدة رسالتهما (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) ليشعر منذ اللحظة الأولى بأن هناك إلها هو ربه ، وهو رب الناس ، فليس هو إلها خاصا بموسى وهارون أو ببني إسرائيل (١) ، كما كان سائدا في خرافات الوثنية يومذاك أن لكل قوم إلها أو آلهة ، أو كما كان سائدا في بعض العصور من أن فرعون مصر إله يعبد فيها لأنه من نسل الآلهة ، الأمر الذي سنناقشه فيما بعد ، ثم إيضاح لموضوع رسالتهما «فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم» ، ففي هذه الحدود كانت رسالتهما إلى فرعون ، لاستنقاذ بني إسرائيل ، والعودة بهم إلى عقيدة التوحيد ، وإلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم أن يسكنوها إلى أن يفسدوا فيها فيدمرهم تدميرا (٢).
على أن موسى عليهالسلام سرعان ما يتذكر أنه قتل من المصريين نفسا ، ما زال يحمل وزرها في ضميره ، وأنه قد خرج من مصر هاربا من
__________________
(١) تطلق التوراة على الله ، جل جلاله ، لفظ «يهوه» وأحيانا «إلوهيم» ، وهو في كلتا الحالتين إله بني إسرائيل دون سائر البشر ، وليس رب العالمين ، كما يعتقد المسلمون والمسيحيون ، وقد بدأت فكرة الإله الواحد في التوراة مع إبراهيم ، حيث جعلت الرب الإله ، ربا لإبراهيم ثم إسحاق فيعقوب ثم موسى ، ثم جعلته بعد ذلك إلها لبني إسرائيل جميعا على أيام النبي إشعياء ، ولكنها لم تخرج به من دائرة بني إسرائيل إلى غيرهم من الشعوب ، فقد ظل المعنى المتضمن لمفهوم الله تعالى في التوراة على أنه إله إسرائيل في المقام الأول ، وهكذا كانت ديانة يهود في التوراة ديانة أسرة بشرية واحدة هي بنو إسرائيل (تكوين ١٢ / ١ ـ ٣ ، ١٣ / ١٤ ـ ١٨ ، ١٥ / ١٨ ـ ٢٠ ، ٢٦ / ٢٤ ، خروج ٣ / ٦ ، ٦ / ٦ ـ ٧ ، يشوع ٨ / ٣ ، ٩ / ١٨ ، ١٣ ، صموئيل أول ٢٥ / ٣٣ ، أخبار أيام أول ١٦ / ٣٦ ، ثم أنظر : محمد بيومي مهران : ٤ / ٢١٩ (الباب الأول ـ الديانة اليهودية).
(٢) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٣٦ ـ ٢٣٣٧.