الذين ائتمروا به ليقتلوه ، فكيف يعود إلى قبضة الحاقدين عليه ، المتربصين به ، المطالبين بالثأر منه ، ليدعو فرعون بترك ألوهيته المزعومة ، ثم استنقاذ بني إسرائيل من بين يديه ، وهم ، فيما يرى ، عبيده وخدمه ، ولكنه عليهالسلام ، وهو في حضرة ربه ، وربه يكرمه بلقائه ، ويكرمه بنجائه ، ويكرمه بآياته ، ويكرمه برعايته ، فما له لا يحتاط لدعوته خيفة أن يقتل فتنقطع رسالته (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (١) ، يقولها لا ليعتذر أو يتقاعس ، ولكن ليحتاط للدعوة ، ويطمئن إلى مضيها في طريقها ، لو لقي ما يخاف ، وهو الحرص اللائق بموسى القوي الأمين (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي (٢) ، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٣) ، ومن ثم فسرعان ما تأتيه البشارة من ربه (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً
__________________
(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ١٠٢ ، عبد الرحيم فودة : المرجع السابق ص ١٦٧.
(١) سورة القصص : آية ٣٣.
(٢) يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره (٢٤ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، ٢٤٩) لما أمر الله موسى بالذهاب إلى فرعون وقومه طلب أن يبعث معه هارون إليهم وذلك لسببين ، الأول : أن فرعون ربما كذب موسى ، والتكذيب سبب لضيق القلب ، وضيق القلب سبب لتعثر الكلام على من يكون في لسانه جسة ، ومن ثم فقد بدأ بخوف التكذيب ، ثم ثنى بضيق الصدر ، ثم تلث بعدم انطلاقة اللسان ، وأما هارون فهو أفصح لسانا منه ، وليس في حقه هذا المعنى ، فكان إرساله لائقا ، والثاني : أن لهم عندي ذنبا ، فأخاف أن يبادروا إلى قتلي ، وحينئذ لا يحصل المقصود من البعثة ، وأما هارون فليس كذلك فيحصل المقصود من البعثة ، وأعلم أنه ليس في التماس موسى أن يضم إليه هارون ما يدل على أنه استعفى من الذهاب إلى فرعون ، بل مقصودة فيما سأل ربه أن يقع ذلك الذهاب على أقوى الوجوه في الوصول إلى المراد ، وهكذا يكون تصديق هارون لموسى بمعنى أن يعاضده على إظهار الحجة والبيان ، وو ذلك بأن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار ، ويذهب السّدى إلى أن نبيّن وآيتين أقوى من نبي واحد وآية واحدة ، وإن ذهب آخرون إلى أنه من حيث الدلالة لا فرق بين معجزة ومعجزتين ونبي ونبيين.
(٣) سورة القصص : آية ٣٤.