أن القول بنبوة مريم شهير ، بل مال الشيخ تقي الدين السبكي في الحلبيات ، وابن السيد ، إلى ترجيحه ، وذكر أن ذكرها مع الأنبياء في سورتهم قرينة قوية لذلك ، وأما الاستدلال بآية (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) ، لا يصح ، لأن المذكور فيها الإرسال وهو أخص من الاستنباء على الصحيح المشهور ، ولا يلزم من نفي الأخص ، نفي الأعم. والأمر كذلك بالنسبة إلى أم موسى ، إذ أوحى الله تعالى إليها بإلقاء ولدها في اليم ، وأنه سوف يرده إليها ويجعله نبيا مرسلا (١) ، يقول تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢) ، غير أن هناك من يرى أن ذلك استدلالا خاطئا ، لأن الوحي ليس بإنزال ملك ، وإنما هو بطريق الإلهام ، فقد أخبر الله تعالى بأنه أوحى إلى النحل ، فقال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٣) ، فهل يصح أن نقول أن النحل قد نبأه الله تعالى (٤).
ويذهب الفخر الرازي في التفسير الكبير إلى أن مريم عليهاالسلام ما كانت من الأنبياء ، لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ») ، وإذا كان كذلك كان إرسال جبريل عليهالسلام إليها ، إما أن يكون كرامة لها ، وهو مذهب من يجوز كرامات الأولياء ، أو إرهاصا لعيسى عليهالسلام ، وذلك جائز عندنا ، وعند الكعبي من المعتزلة ، أو معجزة لزكريا عليهالسلام ، ومن الناس من قال : إن ذلك كان على سبيل النفث في الروع والإلهام والإلقاء في القلب ، كما كان في حق أم موسى عليهالسلام في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) (٥).
__________________
(١) نفس المرجع السابق ص ٨٨.
(٢) سورة القصص : آية ٧.
(٣) سورة النحل : آية ٦٨.
(٤) محمد علي الصابوني : النبوة والأنبياء ص ١٠.
(٥) تفسير الفخر الرازي ٣ / ٥٤.