النفس وتتجلى الحقيقة بالاستعداد للفداء في سبيلها ، ويظهر طغيان فرعون هذا الذي يستعظم أن يكون في مصر من يذعن للحق ، قبل أن يأذن له الملك.
وفوجئ فرعون بما لم يكن يتوقع من عجز السحرة ، وفضيحة الهزيمة أمام موسى بين الناس ، وأحس أن صرح كبريائه بدأ ينهار ، وأنه كاد أن يكون أضحوكة عامة تشيع في أرجاء مصر كلها ، ومن ثم فقد وقف يزأر ولا زئير ، ويتوعد السحرة ولا وعيد ، كما أحس الملأ من حوله أن مقامهم كذلك صائر إلى دمار ، والبطانة من حول الملك ، وكل الملوك وأصحاب السلطان ، لا تخلد إلى السكون ، فهي دائمة الحركة ، دائمة القول والتحريض ، لأن الدعوة الجديدة تعصف بمقامهم ومقام زعيمهم في البلاد ، ولعل ذلك يمكن أن يفهم من قولهم لموسى وهارون من أول لقاء (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) (١) ، ومن ثم فإننا نراهم يحرضون فرعون على مذبحة جديدة بين بني إسرائيل ، (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ، قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (٢) ، وفي سورة غافر (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ، وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) (٣).
ومن المعروف أن بني إسرائيل قد عانوا من قبل ، في إبان مولد موسى ، مثل هذا التنكيل الوحشي من فرعون وملئه ، كما يقول تعالى :
__________________
(١) سورة يونس : آية ٧٨.
(٢) سورة الأعراف : آية ١٢٧.
(٣) سورة غافر : آية ٢٥ ـ ٢٦.