فما قصة ألوهية فرعون هذه :
يحدثنا التاريخ أن مؤسس الأسرة المصرية الأولى ، استطاع أن يكوّن لمصر حوالي عام ٣٢٠٠ قبل الميلاد ، حكومة مركزية قوية ثابتة الأركان ، كان على رأسها «الملك المؤله» الذي استطاع أن يجمع بين يديه كل السلطات ، حكومة كان الملك فيها هو المحور ، بل هو الروح التي تبعث الحياة في الدولة هو المحور ، بل هو الروح التي تبعث الحياة في الدولة ، وكل ما يحدث فيها وحي منه ، على أسس دينية عميقة الأثر ، فهو «الإله الأعظم» ، وهو «الإله الصقر حور» ، الذي تجسم في هيئة بشرية ، ولهذا فهو ـ في نظر رعاياه ـ إله حي على شكل إنسان ، يتساوى مع غيره من الآلهة الأخرى فيما لها من حقوق ، ومن ثم فله حق الاتصال بهم ، وله على شعبه ـ ما لغيره من الآلهة ـ من التقديس والمهابة (١).
ومن هنا كان الأساس السياسي والاجتماعي الذي قامت عليه الحضارة المصرية ، هو التأكيد كل التأكيد ، بأن مصر يحكمها إله ، وأن هذا الإله الجالس على العرش غير محدود المعرفة والمقدرة ، وأنه على علم بكل ما يدور في أرض الكنانة ، ومن هنا كان من الصعب أن نفرق بين الملك والدولة ، إذ كانت كلمته قانون ، ورغبته أمر ، ورعيته ملك يمينه ، يتصرف فيها كيف شاء ، ومتى شاء (٢).
وقد اختلف المؤرخون فيما بينهم في كيفية إيمان المصريين بأن الجالس على العرش إله يحكم بشرا؟ وكيف أصبحت ألوهية الفرعون عقيدة الدولة الرسمية ، فهناك من يرى أنها إنما كانت وليدة أسباب انتصاره على
__________________
(١) محمد بيومي مهران : التنظيم السياسي في مصر والعراق القديم ص ٤ (الإسكندرية ١٩٧٠) ، الحضارة المصرية ـ الإسكندرية ١٩٨٤ ص ٩٩ ـ ١١٥.
(٢) محمد بيومي مهران : حركات التحرير في مصر القديمة ، القاهرة ١٩٧٦ ص ١٧.