وكانت القوائم الملكية تبدأ بهم ، بل وتحدد عدد سنى حكمهم ـ كما تفعل بردية تورين ـ وقد ترك «أوزير» آخر الآلهة العظام ، لابنه حور ملك مصر ، ومن «حور» هذا تحدر في زعمهم كل ملوك مصر ، وبناء على ذلك ، فإن حتى الملك يقوم على طبيعته الإلهية التي كانت تنتقل مع الدم ، وفي عهد الأسرات الأولى لم تكن ألوهية الملك مؤكدة إلا لتسلسله من «حور» إله الأسرة بغض النظر عن أية مؤلفة دينية (١).
وتذهب وجهة النظر الخامسة إلى أن ألوهية الفرعون إنما تتصل اتصالا وثيقا بالعناصر الأساسية التي شكلت المبادئ والقيم المصرية منذ البداية ، وتتركز تلك العناصر بصفة خاصة على تأثر الإنسان بكافة المقومات البيئية المحلية في مصر تأثرا كاملا بطريق مباشر أو غير مباشر ، فقد بدأ الإنسان حياته المستقرة بالزراعة ، ونشأ لأول مرة المجتمع الزراعي المستقر والمعتمد على ضمان توفير مياه الري ومساعدة العوامل الطبيعية المختلفة اللازمة للإنتاج الزراعي السليم ، ثم سرعان ما أدرك الإنسان ضرورة ضمان ذلك الاستمرار حتى يطمئن على حياته المستقلة ، وفي نفس الوقت آمن بالظواهر الطبيعية المحيطة به والمسيطرة على تلك البيئة ، وشعر بارتباط حياته ومستقبله بتلك القوى الكونية المسيطرة على هذا العالم ، وقد اعتبر الملك أحق من يقوم بوظيفة الوساطة بين الإنسان والآلهة ، حتى يستطيع أن يضمن رضى تلك القوى على الإنسان ، وبالتالي اطمئنانه على حياته الحاضرة والمستقبلة ، ولذلك ارتبط ملوك مصر بعالم الآلهة ارتباطا كبيرا لم يألفه المؤرخ في أنظمة الحكم الأخرى في منطقة الشرق الأدنى القديم (٢).
__________________
(١) أيتين دريوتيوجاك فانديه : مصر ، ترجمة عباس بيومي ، القاهرة ١٩٥٠ ص ٩٠ ـ ٩١.
(٢) رشيد الناضوري : جنوب غربي آسيا وشمال إفريقيا ـ الكتاب الأول ـ بيروت ١٩٦٨ ، ص ٢٨٢ ـ ٢٨٣.