وهكذا نرى العلماء يختلفون في تفسيرهم لألوهية الملك المصري ، وكيف نشأت؟ وكيف اقتنع المجتمع المصري وآمن بألوهية ملوكه؟
وإذا أردنا مناقشة هذا كله ، لرأينا أن الأسباب العسكرية لا تستطيع وحدها أن تصل بالمغلوبين إلى الإيمان بألوهية ملوكهم ، ذلك لأن الغزو قد يجبر قوما على الخضوع لآخرين ، وقد يجعل من زعيم المنتصرين «دكتاتورا» يأمر فيطيع المغلوبين ، ولكنه لا يجعل منه ـ بحال من الأحوال ـ إلها يؤمن الناس به ، كواحد من آلهتهم الأخرى ، وحتى لو آمنوا به في فترة الغزو ـ وفي أعقابه لفترة ما ـ فكيف تسنى لملوك مصر أن يجعلوا من ألوهيتهم عقيدة يؤمن بها الناس حتى نهاية العصور الفرعونية.
وأما النظرية التي تجعل الصعاب التي لاقاها مؤسسوا الوحدة دافعا إلى القول بأن مصر يحكمها إله تتمثل فيه القوى التي تهيمن على القطرين ، فقد يكون الأمر كذلك إلى حد ما ، وفي هذه الحال ، فإن توطيد هذا المبدأ في جميع أنحاء البلاد إنما احتاج إلى وقت طويل ، حتى قبل القوم أن ذلك الإنسان الذي يحكمهم ليس بشرا ، بل هو من نوع آخر ، فلدينا ما يثبت أن الوحدة التي قامت في أول عصر التأسيس لم يكتب لها البقاء طويلا ، وإنما إنهارت في النصف الثاني من عصر الأسرة الثانية ، إذ تدلنا آثار الملك «خع سخم» ـ والتي تقتصر على مدينة «نخن» ـ على مدى جهوده في استرجاع الدلتا ، وتوطيد الوحدة ، والقضاء على الفتنة ، الأمر الذي تمّ على يد خلفه «خع سخموي».
وأما الرأي الذي جعل من العوامل الجغرافية ـ إلى جانب طريقة التفكير المصري ـ سببا في الإيمان بألوهية الفرعون ، فإنها تضعف كثيرا ، إذا ما تذكرنا أن ألوهية الملك المصري إنما كانت مرتبطة إلى حد كبير بتقدم البلاد وازدهارها ـ وليس بالعوامل الجغرافية فيها ، وأن أية فترة من الفترات