التي كان يضعف فيها الحكم ، كان القطران ينفصلان بعضهما عن البعض الآخر ، ولم يمسك عليهما وحدتهما إلا اعتمادهما المشترك على مياه النيل.
وأما ذلك الرأي الذي أرجعها لأسباب دينية ، فهو في الواقع إنما يعتمد على الأساطير ـ أكثر من اعتماده على الأدلة التاريخية ـ إذ لو كان الأمر كذلك ، وكان مؤسس الوحدة معترفا بألوهيته على اعتبار أنه سليل الإله «حور» ، لما احتاجت الوحدة إلى كل هذه الحروب التي خاضها أبطال التوحيد ، من أمثال «عقرب» و «عحا» ، ولما احتاجت كذلك إلى جهود خلفائهم بعد النكسة التي أصيبت بها الوحدة في عصر الأسرة الثانية.
وأما النظرية الاقتصادية ، فرغم أهمية ضمان توفير الأمن الاقتصادي وغيره من مظاهر الاستقرار في المجتمع ، على أساس إمكان توسط الفراعنة بعد حملهم لتلك الصفة الإلهية من أجل تحقيق ذلك ، فإن ذلك الأمر ليس بكاف لتعليل إيمان المصريين بألوهية ملوكهم ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لكان ملوك العراق القديم أحق بالألوهية من ملوك مصر ، فبلاد الرافدين إنما كانت معرضة بصورة مستمرة ببتقلبات الجوية التي تحول دون الاستقرار والطمأنينة ، مما أدى إلى تعدد القوى الإلهية ، وظواهر التنبؤ والتمائم ، بينما كانت البيئة المصرية مطمئنة إلى حد كبير (١).
ومن ثم ، فالرأي عندي : أن هذه الأسباب مجتمعة هي التي عملت على تأليه الفرعون في أرض الكنانة ، وربما كانت هناك فكرة أصيلة عن الملكية الإلهية في مصر ، ولكنها فكرة غير منتظمة ، ثم جاءت الأسرة الأولى وانتهزت فرصة وجود هذا الرأي لتأييد النظام الجديد ، فرفعت الفرعون من رتبة بشر متميز ـ من الجائز أن ينازعه في سلطانه بشر آخر متميزون وأقوياء ـ إلى مرتبة «إله» لا يمكن منازعته ، وهكذا كانت عقيدة الملكية الإلهية ، كما
__________________
(١) رشيد الناضوري : التطور التاريخي للفكر الديني ص ١٦١ ، ١٦٣.