نعرفها قد صيغت وعدلت كثيرا ، ثم وجدت قبولا رسميا في أوائل أيام الأسرات ، وهذا قول لا يمكن إثباته بالتأكيد ، ولكننا نستطيع القول أن العوامل الاقتصادية. وحاجة الناس إلى وسيط يكون بينهم وبين آلهتهم ، لتحقيق ما يمكن أن نسميه «بالأمن الوقائي» ضد كل ما يصيبهم بأذى من قريب أو بعيد ، ثم بدأ الملوك ينسبون أنفسهم ـ بعد قيام الوحدة وإخضاع الدلتا ـ إلى الإله «حور» ، خليفة أبيه «أوزير» ـ آخر الآلهة العظام الذين حكموا مصر في عصور ممعنة في القدم ـ ومنذ الأسرة الخامسة (حوالى عام ٢٤٨٠ ق. م) ، يصبح الملوك أبناء للإله «رع» من صلبه ، وفي عصور تالية ، وحين يصبح آمون ـ سيد الآلهة وكبيرهم ـ يصبحون أبناء له.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ألوهية الفرعون لم تكن بمعنى أنه خالق الكون ومدبره أو أن له سلطانا في عالم الأسباب الكونية ، إنما كان يدعي الألوهية على شعبه ، بمعنى أنه حاكم هذا الشعب بشريعته وقانونه ، وأنه بإرادته وأمره تمضي الشئون وتقضي الأمور ، كما أشرنا من قبل ، كذلك لم يكن الناس ، في مصر يتعبدون إلى فرعون بمعنى تقديم الشعائر التعبدية له ، فقد كانت لهم آلهتهم ، كما كان لفرعون نفسه آلهته التي يعبدها كذلك ، كما هو ظاهر ، من قول الملأ له «ويذرك وآلهتك» ، وكما يثبت ذلك تاريخ مصر في العصور الفرعونية ، ومن هنا فإن هذا الملك المؤله لم تكن تقام له المعابد ، كما كانت تقام لغيره من الآلهة ، كما لم تكن تقدم له القرابين (١) ، وأن تسميته بالإله العظيم لم تقف حائلا ، دون أن تكون له شخصية بشرية ، وأن طبيعته لم تمنع القوم من أن ينظروا إليه كحاكم بشري ، له أملاكه الخاصة ومخازنه ودواوينه الخاصة.
__________________
(١) قارن حالات : أمنحتب الثالث ورعمسيس الثاني والثالث (محمد بيومي مهران ـ الحضارة المصرية ـ الإسكندرية ١٩٨٤ ص ١٢٨).