وبدهي أنه في مقابل هذه الحقوق التي كان يتمتع بها الفرعون ، كان عليه عدة واجبات ، فهو المسئول عن مصر وحماية حدودها من غارات الشعوب المجاورة الطامعة في خيراتها ، وهو الذي يعمل على تدعيم العدالة ونشر لواء الحور بين أفراد شعبه ، وهو المسئول عن تأمين وسائل الحياة للمصريين بحفر الترع وإقامة الجسور ليتيسر فلاحة الأرض وزراعتها ، كما كان عليه حماية المدن من غائلة الفيضان ، وتشجيع الصناع والفنانين ، فضلا عن إقامة المعابد للآلهة وتقديم القرابين لها ، فإن أهمل واجباته ، كلها أو بعضها ، فقد قدسيته ، ومن ثم يحور لغيره من الآلهة ألا يعترفوا به كواحد منهم ، وهكذا يبدو أن الملكية ، وإن أفاءت على الملك القداسة والألوهية ، فهي في الوقت نفسه ، قد حددت من سلطانه ، بما فرضت عليه من واجبات.
ومن هنا فإن القوم في عصر الثورة الاجتماعية الأولى ، وقد تدهورت أحوال البلاد الداخلية والخارجية ، فضلا عن ظهور اللامركزية منذ أخريات الدولة القديمة ، لم يعودوا ينظرون إلى ملوكهم تلك النظرة التي كان أسلافهم ينظرون بها إلى ملوك الأسرة الرابعة مثلا ، الأمر الذي أدى إلى التقليل من هالة التقديس التي كان يحاط بها الملك أو يحيط بها نفسه ، وهكذا لم يعد الملك ذلك الإله المترفع والحاكم الجبار فوق البشر ، والذي يرجو رعاياه عطفه ورضاه ، وإنما أصبح شخصا غير معصوم يتحدث عن ضعفه وعن خطاياه ، كما يتحدث الآخرون من رعاياه ، بل إننا نرى في هذا العصر الحكيم «إيبو ـ ور» يتهم الفرعون بأنه سبب الفوضى والاضطرابات التي سادت في البلاد ، فرغم أنه قد أعطي الحكمة والسلطة ، فقد بقي في قصره يحيط نفسه بمجموعة من المنافقين ، حتى ساءت الحال وفقد الناس الأمن والأمان ، ثم يبلغ به العنف أشده حتى يتمنى للملك أن يذوق البؤس بنفسه ، وحين يرد الفرعون بأنه حاول جهده أن يحمي شعبه ، يتهمه «إيبو ـ ور» بالجهل وعدم الكفاءة للمنصب الخطير ، ثم يرسم له صورة الملك