نميل إليه ونرجحه ، فإن الخروج لا بد وأن يكون في العام الأخير من حكم مرنبتاح ، سواء أكان هذا العام العاشر من الحكم (حوالي عام ١٢١٤ ق. م) أو العام الثامن من الحكم (حوالى عام ١٢١٦ ق. م) ، على خلاف في الرأي ، وذلك لأن التوراة (١) والقرآن العظيم إنما يقولان إن الفرعون قد غرق في البحر ، وإن أضاف القرآن الكريم أن جثة الفرعون قد انتشلت لتكون آية لمن خلفه (٢) ، على أن هناك آراء أخرى ، ذهب أولها إلى أن الخروج تم على أيام «سيتي الثاني» ، وذهب ثانيها إلى أنه كان في نهاية الأسرة التاسعة عشرة ، وأما ثالث الآراء فقد تأخر به إلى ما بعد عهد رعمسيس الثالث ، ثاني ملوك الأسرة العشرين ، الأمر الذي سنناقشه بالتفصيل في الفصل الثالث (فرعون موسى) من هذا الباب الثاني.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الوصول إلى تاريخ محدد ، على وجه اليقين أو حتى على وجه التقريب ، أمر في غاية الأهمية من الناحيتين التاريخية والدينية ، فأما من الناحية التاريخية ، فلعلنا نستطيع ، عن طريق معرفتنا لتاريخ الخروج ، أن نعرف وقت دخول بني إسرائيل فلسطين ، وبالتالي بداية التاريخ الإسرائيلي ، ذلك لأن تاريخ بني إسرائيل كشعب ، لا يبدأ إلا بالخروج من مصر ، وأما من الناحية الدينية ، فإننا نستطيع أن نعرف بداية ظهور اليهودية ، ذلك أننا إذا عرفنا فرعون مصر الذي خرج اليهود في عهده من مصر ، فإننا نستطيع ، اعتمادا على وضوح التاريخ المصري على أيام الفراعين ، أن نحدد عصر موسى عليهالسلام ، ذلك العصر الذي يعتبر واحدا من أهم الأعصر في تاريخ البشرية الديني ، لأنه العصر الذي ظهرت فيه أولى الديانات السماوية الثلاثة الكبرى المعاصرة ، اليهودية والمسيحية والإسلام.
__________________
(١) خروج ١٤ / ٢٦ ـ ٣١ ، ١٥ / ١ ـ ٥ ، الرسالة إلى العبرانيين ١٥ / ٢٩.
(٢) سورة يونس : آية ٩٠ ـ ٩٢.