رواية قالوا يا موسى : أين ما وعدتنا ، فكيف نصنع ، هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا ، والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا (١).
وهكذا سدت السبل أمام بني إسرائيل ، ولم يجد موسى عليهالسلام من وسيلة لإنقاذهم سوى طلب العون والرحمة من الله ، ومن ثم فهو يصيح في وجوه الخائفين الفزعين من أتباعه «إن معي ربي سيهدين» ، قال الرازي : قوّى نفوسهم بأمرين أحدهما أن ربه معه ، وهذا دلالة النصر والتكفل بالمعونة ، والثاني قوله «سيهدين» أي إلى طريق النجاة والخلاص ، وإذا دله على طريق نجاته وهلاك أعدائه فقد بلغ النهاية في النصر ، وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن سلام : أن موسى عليهالسلام لما انتهى إلى البحر قال : يا من كان قبل كل شيء ، والكائن بعد كل شيء ، اجعل لنا مخرجا ، فأوحى الله (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) (٢) ، وهنا تحدث المعجزة الكبرى ، إذ أوحى الله إلى موسى (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣).
ولعل سؤال البداهة الآن : أين ومتى وكيف تم انغلاق البحر لموسى عليهالسلام؟
__________________
ـ ما قاله الإمام النسفي «فخرج موسى ببني إسرائيل من أول الليل ، وكانوا سبعين ألفا ، وقد استعاروا حليهم ، فركب فرعون في ستمائة ألف من القبط فقص أثرهم (تفسير الطبري ١ / ٢٧٥ ـ ٢٧٩ ، تفسير الخازن ١ / ٥٨ ، الدر المنثور ٥ / ٨٤ ، تفسير أبي السعود ٦ / ٢٤٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٦٠ ، تفسير البغوي ١ / ٥٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٤١٤ ـ ٤١٥ ، ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٧٠ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٦ ، ثم قارن خروج ١٤ / ٥ ـ ٩).
(١) تاريخ الطبري ١ / ٤١٥ ، تفسير الخازن ١ / ٥٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٨ نختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٦٤٨.
(٣) سورة الشعراء : آية ٦٣ ـ ٦٧.