بموسى «ما ذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر ، أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر ، قائلين : كف عنا فنخدم المصريين ، لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية» (١) ، ويصبح موسى عليهالسلام في مأزق حرج ، فقد كانت بحيرة البوص على يمينه ، وحصن مجدل ، بما فيه من حامية ، أمامه ، سادا الطريق من جهة الشمال ، وعلى يساره مستنقعات فرع النيل البيلوزي ، وخلفه الفرعون وقواته الضاربة ، وهكذا وقف موسى وقومه أمام البحر ، ليس معهم سفن ، ولا هم يملكون خوضه ، وما هم بمسلحين ، وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون ، وقالت دلائل الحال كلها : أن لا مفر والبحر أمامهم ، والعدو خلفهم (٢) ، وهنا صاح بنو إسرائيل : «إنا لمدركون» ، وقالوا يا موسى : أوذينا من قبل أن تأتينا ، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا ، إنا لمدركون البحر من بين أيدينا ، وفرعون من خلفنا ، وفي
__________________
(١) خروج ١٤ / ٨ ـ ١٢.
(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٥٩٨ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٤٥٠.
(٣) تذهب روايات المفسرين والمؤرخين إلى كثير من المبالغة ، بل الخيال ، في تقدير أعداد جيش فرعون ، فتذهب رواية إلى أن فرعون تبع بني إسرائيل في ألف ألف (مليون) وقيل في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان (مليون وسبعمائة ألف) وتذهب أخرى إلى أنهم مليون وستمائة ألف ، وتذهب رواية ثالثة إلى أنهم مليون ومائة ألف ، وتذهب رابعة إلى أنهم مليون وخمسمائة ملك ، مع كل ملك ألف ، وخرج فرعون في جمع عظيم ، وكانت مقدمته سبعمائة ألف فارس ، وتذهب رواية خامسة إلى أن فرعون كان في سبعة آلاف (٧ مليون) وكان بين يديه مائة ألف ألف ناشب ، ومائة ألف ألف حراب ، ومائة ألف ألف معهم الأعمدة ، وبدهي أن سكان مصر جميعا وقت ذاك ، ربما لم يبلغوا هذا العدد ، ثم إننا حتى لو صدقنا مبالغات التوراة ومن تابعها من المفسرين عن أعداد بني إسرائيل وقت الخروج ، فإن عددهم (ستمائة ألف غير الأولاد والشيوخ) لا يتطلب بحال من الأحوال هذه الملايين من جنود مصر ، لمطاردتهم ، ثم كيف تمكن فرعون من جمع هذه الملايين من الرجال والخيل من كل أنحاء مصر ، حين علم فجأة بخروج بني إسرائيل ، وراءهم مطاردا ، وربما كان أقرب إلى الصواب ـ