أعاره المصريون لهم من الأمتعة والذهب والفضة (١) وطبقا لرواية التوراة ، فلقد تغير قلب فرعون وملئه على بني إسرائيل ، «وقالوا : ما ذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا (٢)» ، وهنا لم يجد الفرعون مناصا من أن يلحق بالفارين حتى يعيد ما سرقوه ، إن لم يردهم إلى ما كانوا عليه من ذل العبودية ، أو يفتك بهم ويستأصل شأفتهم من البلاد ، ومن ثم فقد أمر بما يسمى في عصرنا الحاضر «التعبئة العامة» ، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون الجند ، وإن كان هذا الجمع ، كما يقول صاحب الظلال ، قد يشي بانزعاج فرعون ، وبقوة موسى ومن معه وعظيم خطرهم ، حتى ليحتاج الملك بزعمه ، إلى التعبئة العامة ، ولا بد إذن من التهوين من شأن المؤمنين (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) ، مستيقظون لمكائدهم محتاطون لأمرهم ، ممسكون بزمام الأمور ، قال الزمخشري : وهذه معاذير اعتذر بها إلى قومه لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه (٣).
وتقول التوراة : وشدد الرب قلب فرعون حتى سعى وراء بني إسرائيل ، وأدركتهم جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه ، وهم نازلون عند البحر ، ورأى بنو إسرائيل الخطر الزاحف من خلفهم ، وهو يقترب منهم ، فتملكهم الذعر والخوف ، وأيقنوا أنهم هالكون ، وصاحوا
__________________
ـ من كل أرض إلى الأرض المقدسة (تاريخ الطبري ١ / ٤١٩ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٠٥ ، تفسير الخازن ١ / ٥٧ ـ ٥٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٥).
(١) خروج ١٢ / ٣٥ ـ ٣٦ ، وانظر : تاريخ الطبري ١ / ٤١٣ ـ ٤١٤ ، تفسير الخازن ١ / ٥٧ ، الدر المنثور ٥ / ٨٤ ، ابن الأثير ١ / ١٠٦.
(٢) خروج ١٤ / ٥.
(٣) سورة الشعراء : آية ٥٢ ـ ٥٦ ، في ظلال القرآن ٥ / ٢٥٩٧ ـ ٢٥٩٨ ، تفسير الكشاف ٣ / ٢٤٨.