ومن هنا فقد أوجب الله للرسل العصمة الكاملة ، لتصح بهم القدوة ، وتقوم بهم الحجة ، فلا يكون من أحدهم عمل ينال من كرامته أو يقدح في عدالته أو يحط من منزلته العلية بين ذوي المروءات والعقول الرجحة (١) ، ذلك أمر ضروري ، إذ لو لم يكن ذلك كذلك ، ولما كانوا أهلا لهذا الاختصاص الإلهي الذي يفوق كل اختصاص ، اختصاصهم بوحيه ، والكشف لهم عن أسرار حلمه ، ولو لم تسلم أبدانهم من المنفرات ، لكان انزعاج النفس لمرآهم حجة للمنكر في إنكار دعواهم ، ولو كذبوا أو خافوا أو قبحت سيرتهم ، لضعفت الثقة فيهم ، ولكانوا مضلين لا مرشدين ، فتذهب الحكمة من بعثهم ، والأمر كذلك لو أدركهم السهو أو النسيان فيما عهد إليهم بتبليغه من القصائد والأحكام (٢).
ومنها سابعا : سياسة الأمة المسلمة ، ذلك أن الذين يستجيبون للرسل يكوّنون جماعة وأمة ، وبالتالي يحتاجون إلى من يسوسهم ويقودهم ويدبر أمورهم ، والرسل يقومون بهذه المهمة في حال حياتهم ، فهم يحكمون بين الناس بحكم الله قال تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٣) ، وقال تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) (٤) وفي الحديث ، الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجة ، عن النبي (ص) «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي قام نبي» ، ومن ثم فقد أوجب الله طاعتهم ، قال تعالى:(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٥).
__________________
(١) كمال أحمد عون : اليهود من كتبهم المقدسة ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ١٠٦.
(٢) محمد عبث : رسالة التوحيد ـ القاهرة ١٩٦٩ ص ٧٧.
(٣) سورة المائدة : آية ٤٨.
(٤) سورة (ص) : آية ٢٦.
(٥) سورة النساء : آية ٨.