ولعل مما تجدر الإشارة إليه هنا أن الله ، جلت قدرته ، قد أسند فرق البحر إلى ذاته الكريمة ، ليدل على أن القوم عبروه وقطعوه ، وهو معهم ، بعنايته ، وقوله تعالى : (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) بيانا للمنة العظمى التي امتن الله بها على بني إسرائيل ، والتي ترتبت على فرق البحر ، لأن فرق البحر ترتب عليه أمران : أولهما : نجاتهم ، وثانيهما إهلاك عدوهم ، وكلاهما نعمة عظمى ، والإيمان الصحيح يقتضي بأن نفهم واقعة انفصال البحر لموسى وقومه على أنها معجزة كونية لموسى عليهالسلام ، وقد زعم البعض أنها كانت حادثة طبيعية ، بدون سند ولا دليل (١).
وانطلاقا من كل هذا ، فإننا نرفض ما يذهب إليه البعض من أن انغلاق البحر ، إنما كان نتيجة المد والجزر ، وبالتالي فتلك علة طبيعية لنظام جغرافي (٢) ، كما نرفض كذلك القول بأن عنصر التهويل قد لعب دوره في القصة حتى أظهرها بهذه الصورة ، وأن هناك رواية مشابهة لها قد رددتها التوراة عن يشوع (٣) ، خادم موسى وفتاه ، وعبوره الأردن على يبس (٤) ، وأن
__________________
(١) محمد سيد طنطاوي : بنو إسرائيل في القرآن والسنة ١ / ٤٥٩ (القاهرة ١٩٦٨).
(٢) ٦.p ، ١٩٦٩. C.Roth ,A Short Hostory of the Jewish Pople ,
(٣) يشوع ١ / ١٠ ـ ١٨ ، ٤ / ٢٣ ـ ٢٤.
(٤) تروي المصادر الإسلامية أن الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي كان قد بعثه سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ملك البحرين المنذر بن ساوي فأسلم على يديه وأقام فيهم الإسلام والعدل ، فلما توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم مات المنذر بعده بقليل ، فارتد أهل البحرين ، فبعث إليهم أبو بكر الصديق رضياللهعنه العلاء بن الحضرمي ، ثم حدثت معركة بين المسلمين والمرتدين ، انتصر فيها المسلمون انتصارا حاسما ، ففر كثير من المرتدين إلى «دارين» بالبحرين ، فتبعهم العلاء حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن ، فرأى أن الشقة بعيدة ، لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله ، فاقتحم البحر بفرسه وهو يقول «يا أرحم الراحمين ، يا حكيم يا كريم ، يا أحد يا صمد ، يا حي يا محي ، يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت يا ربنا» ، وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا ، ففعلوا ذلك ، فأجاز بهم الخليج بإذن الله ، يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء ، لا يغمر أخفاف الإبل ، ولا يصل إلى ركب الخيل ، ـ