فريرز ، أن المصريين أرادوا أن يحولوا دون تكاثرهم عن طريق تشغيلهم في الأعمال الشاقة التي ربما قضت عليهم ، ولما فشلت هذه المعاملة في تحقيق النتيجة المرغوبة ، أمر الملك بقتل الذكور من أطفالهم إثر ولادتهم ، غير أن القابلات اللاتي كلفن بذلك كن يتهربن في تنفيذه (١) ، ومن ثم فقد أمر فرعون شعبه جميعا بأن «كل ابن يولد تطرحونه في النهر ، لكن البنت تستحيونها» (٢) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ، يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ ، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٣) ، وكان من نتائج ذلك كله ، أن غدا العرف الشائع بين العبرانيين أنهم يتشاءمون تشاؤما تقليديا بالأيام التي قضوها بمصر ، ويحسبونها بلية البلايا ، ومحنة المحن في تاريخهم كله ، من عهد إبراهيم الخليل إلى عهد النازية الهتلرية ، أي طوال أربعين قرنا ، من القرن العشرين قبل الميلاد إلى القرن العشرين بعد الميلاد ، وقد مرت بهم محنة السبي إلى وادي النهرين ، ولكنهم لا يتشاءمون بها ، كما تشاءموا بالمقام في مصر ، ولا يجعلون الخروج من بابل (عام ٥٣٩ ق. م) عيدا باقيا متجددا ، كعيد الخروج من أرض وادي النيل في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وهكذا كان الخروج من مصر أكبر أعياد اليهود ، عيد الفصح ، في الرابع عشر من شهر نيسان (أبريل) بين العشاءين.
وهكذا نستطيع أن نقول ، دون أن يخالجنا ريب فيما نقول ، أن دعوى
__________________
(١) جيمس فريزر : الفلكور في العهد القديم ـ القاهرة ١٩٧٤ ص ٥ (مترجم) وانظر : خروج ١ / ١٥ ـ ٢١.
(٢) خروج ١ / ٢٢.
(٣) سورة البقرة : آية ٤٩ ، وانظر : سورة الأعراف : آية ١٤١ ، سورة القصص : آية ٤ عباس محمود العقاد : الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين ـ القاهرة ١٩٦٠ ص ٥٨ ، وانظر : عن هذا الرأي الأول (محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٣٦١ ـ ٣٧٦).