والرأي عندي أن الأمر ليس كما فسره هؤلاء الباحثون ، وإنما هو ، فيما أو من به واعتقده ، معجزة من معجزات موسى عليهالسلام ، إذ أمره الله تعالى بأن يضرب الحجر بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، بقدر عدد أسباط إسرائيل ، لكل سبط عين قد عرفوها ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (١) ، وقال ابن عباس : وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع ، وأمر موسى عليهالسلام فضربه بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون ، وأعلم كل سبط عينهم يشربون منها ، وقال قتادة : كان حجرا طوريا ، أي من الطور ، يحملونه معهم إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه ، وقال النسفي : اللام للعهد ، والإشارة إلى حجر معلوم ، فقد روى أنه حجر طوري حمله معه ، وكان مربعا له أربعة أوجه ، كانت تنبع من كل وجهه ثلاث أعين ، لكل سبط عين ، وقيل هو الحجر الذي وضع موسى عليه ثوبه حين اغتسل (٢) ، فقال له جبريل : ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة ، ولك فيه معجزة ، فحمله في مخلاته ، قال الزمخشري : ويحتمل أن تكون اللام
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٦٠ ، وانظر : تفسير النسفي ١ / ٥٠ ـ ٥١ ، مختصر تفسير ابن كثير ١ / ٦٨ ـ ٦٩.
(٢) أخرج البخاري عند تفسير آية الأحزاب (٦٩) عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن موسى كان رجلا حييّا ستيّرا ، لا يرى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا : ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما أدرة (انتفاخ الخصية) وإما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى ، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى مرّ على ملأ من بني إسرائيل فرأوه أحسن ما خلق الله عريانا ، وأبرأه مما يقولون ... قال : ، فذلك قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (صحيح البخاري ٦ / ٣١٢).