الكلام» أو كان عييّا لا يكاد يبين حين يتكلم ، وبالتالي فقد استعان في تبليغ رسالته إلى بني إسرائيل بأخيه هارون ، دليل على أنه كان مصريا ، ولم يكن إسرائيليا ، استنتاج فيه من الخطأ أكثر ما فيه من الصواب ، ذلك لأن بني إسرائيل ما كانوا يتحدثون العبرية في مصر ، فمن المعروف تاريخيا أن أسلاف العبرانيين كانوا يتكلمون الآرامية قبل أن يستقروا في فلسطين ، ثم بدءوا يتحدثون لغة الشعوب المضيفة لهم ، ففي مصر كانوا يتكلمون اللغة المصرية ، وفي كنعان كانوا يتكلمون الكنعانية ، وأما اللغة العبرية ، والتي كانت خليطا من الآرامية والكنعانية وكثير من اللغات السامية وغير السامية ، فيرجع تاريخ ظهورها إلى ما قبيل عام ١١٠٠ قبل الميلاد ، وبعد خروج بني إسرائيل من مصر ، كما أشرنا من قبل.
ومنها (سابعا) أن ما جاء في التوراة والقرآن العظيم من أن الكليم عليهالسلام عييّ لا يكاد يبيّن ، ومن ثم فقد سأل ربه الكريم (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي (١) ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي) ، فهو أفصح منه لسانا ، إلى غير ذلك من الأدلة التي اعتمد عليها البعض ، على أنها
__________________
(١) اختلف المفسرون في زوال العقدة بكاملها،فمن قال به تمسك بقوله تعالى:(قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ، ومن لم يقل به احتج بقوله تعالى : (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي) ، وقوله تعالى : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) ، وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية ، بل حل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها ، وقال : «عقدة من لسان» أي عقدة كائنة من عقد لساني ، وجعل قوله تعالى : (يَفْقَهُوا قَوْلِي) جواب الأمر ، وغرضا من الدعاء ، فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤله ، والحق ، كما يقول أبو السعود ، أن ما ذكر لا يدل على بقائها في الجملة ، ولكن الحسن البصري قال : حل عقدة واحدة ، ولو سأل أكثر من ذلك أعطى ، وأما قوله تعالى : (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي) لا تستدعي عدم البقاء لأن الأفصحية توجب بثبوت أصل الفصاحة في المفضول أيضا ، وذلك مناف للعقدة أصلا ، وأما قوله تعالى : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) فمن باب غلو فرعون في العتو والطغيان ، وإلا لدلّ على عدم زوالها أصلا ، وتنكيرها يفيد قلتها (تفسير أبي السعود ٦ / ١٢).