دليل على مصرية موسى ، وربما كانوا يعنون عدم إجادته اللغة المصرية ، فالرأي عندي أنها لا تدل على شيء من ذلك ، فربما كان سببها أن موسى عليهالسلام قد أصيب بحبسة في لسانه نتيجة لتأخر في رضاعة أو لسبب آخر ، أضعفه من الناحية العلمية قصة التمر الأحمر أو الياقوت والجمر (١) ، وعلى أية حال ، فالإمام الفخر الرازي تفسير لاستعانة موسى بأخيه هارون يذهب فيه ، كما أشرنا من قبل ، إلى أن فرعون ربما كذب موسى ، والتكذيب سبب لضيق القلب ، وضيق القلب سبب لتعثر الكلام على من يكون في لسانه حبسة ، لأنه عند ضيق القلب تنقبض الروح والحرارة الغريزية إلى باطن القلب ، وإذا انقبضا إلى الداخل وخلا منهما الخارج ، ازدادت الحبسة في اللسان ، فالتأذي من الكذب سبب لضيق القلب ، وضيق القلب سبب للحبسة ، فلهذا السبب بدأ بخوف التكذيب ، ثم ثنى بضيق الصدر ، ثم ثلث بعدم انطلاق اللسان ، وأما هارون فهو أفصح منه ، وليس في حقه هذا المعنى ، فكان إرساله لائقا (٢).
ومنها (ثامنا) أن الذين اعتمدوا على أن هناك حبسة في لسان موسى لا تمكنه من أداء رسالته نحو بني إسرائيل ، ثم توصلوا من وراء ذلك إلى أن موسى كان يتكلم لغة أخرى ، ولم يكن قادرا على التفاهم مع شعبه الجديد من الساميين (أي بنو إسرائيل) بدون مساعدة مترجم ، على الأقل في بداية عهده بهم ، وفي هذا دليل على صحة نظرية أن موسى كان مصريا ، أو لغته على الأقل ، نسوا ، أو تناسوا ، أنهم اعتمدوا في ذلك على نصوص التوراة (سفر الخروج ٤ ـ ١٦ ، ٢٧ ـ ٣١) ، وأن هذه النصوص التوراتية
__________________
(١) أنظر عن القصة : تفسير الطبري ١٦ / ١٥٩ ، تاريخ الطبري ١ / ٣٩٠ ، تفسير القرطبي ص ٤٢٣٢ ، تفسير النسفي ٣ / ٥٢ ، تفسير أبي السعود ٦ / ١٢ ، تفسير صفوة التفاسير ٢ / ٢٣٣ ، ابن الأثير ١ / ٩٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٢٢.