المتداولة اليوم ، ليست هي توراة موسى عليهالسلام ، وإنما قد داخلها كثير من التحريف والتصحيف ، وأن القرآن الكريم قد جاء لتصحيح هذا التحريف ، وذلك التصحيف ، ومن هنا فإن شكوى موسى من حبسة لسانه في القرآن الكريم إنما كانت في مواجهة فرعون ، وليس في مواجهة بني إسرائيل ، وهذا ما تدل عليه الآيات بوضوح في سورة طه (٢٤ ـ ٣٢) (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ، قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ، وفي سورة الشعراء (١٠ ـ ١٣) (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ ، قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ، وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) ، وفي سورة القصص (٣٠ ـ ٣٥) وفي سورة الزخرف (٥١ ـ ٥٢) (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ، وَلا يَكادُ يُبِينُ).
ومنها (تاسعا) أن موسى عليهالسلام كان على صلة بقومه الإسرائيليين قبل خروجه إلى مدين ، بدليل قتله المصري عند ما استغاث به الإسرائيلي على المصري الذي سماه القرآن «عدوه» (أي عدو موسى) ، ولا يمكن أن يستغيث الإسرائيلي بموسى إلا إذا كان على معرفة أنه من بني إسرائيل ، بل إن قوله تعالى : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) إنما يستشف منه أن موسى كان يستخدم نفوذه في مناصرة بني إسرائيل ، وكيف أيدى المصريين عنهم ، بل إن موسى كاد أن يتورط في محنة جديدة بسبب ذلك الإسرائيلي الذي استصرخه بالأمس ويستصرخه اليوم ، حتى ليكاد أن يفعل ما ندم عليه بالأمس ، فيهم بأن يبطش بالذي هو عدو لهما (أي المصري) ، وبدهي أن كل هذا إنما يدل على أن موسى إسرائيلي ، وأنه كان يعرف تماما تلك الحقيقة.