ولكن مؤلفي التوراة حرصوا مع ذلك على الاستنقاص من مكانته ـ إعلاء لشأن داود وبيت داود ـ في أمور أشد ما تكون التصاقا بالعقيدة التوحيدية ، كما عند الأنبياء المتأخرين ، غمزا ولمزا في سفر الخروج (١) ، فكأن موسى لم يختن شأن أي أقلف ، وأن قد ظل كذلك ، مخالفا تعاليم الرب كما أنزلت على إبراهيم ، من حيث السمة الدالة على العهد الأبدي الموثق (٢) ، بل متحديا ما دفع به الرب مباشرة (٣) ، فكأن نبي الله ، حامل رسالته إلى شعب بني إسرائيل ، إنما ناكث لعهد الرب (٤).
ثم صراحة ودون مواربة ، إذ تعزى إليه شوائب من وثنية ، فهو صاحب «حية النحاس» (٥) «نحثتان» صنعها بيديه ورفعها أمام القوم على سارية (٦) ، هي من أسباب غواية بني إسرائيل ، يقدمون لها القرابين متعبدين ، فيسحقها
__________________
(١) خروج ٤ : ٢٤ ـ ٢٦.
(٢) تكوين ١٧ : ١٠ ـ ١٤.
(٣) خروج ١٢ : ٤٨.
(٤) حسين ذو الفقار : المرجع السابق ص ٦.
(٥) يرى «برستد» أن موسى كان يتمسك ببعض الذكريات عن التماثيل الدينية المصرية ، فقد كان يحمل عصا سحرية عظيمة ، في صورة «ثعبان» تسكن فيها قوة «يهوه» ، كما كان ينصب ثعبانا من النحاس البراق ليشفي به الناس ، وكان هذا الثعبان أحد الثعابين المقدسة العديدة في مصر ، وقد بقيت صورة ذلك الإله المصري القديم عند العبرانيين إلى ما بعد استيطانهم فلسطين بزمن طويل ، واستمروا في إطلاق البخور له مدة خمسة قرون بعد عهد «موسى» ولم يبعد من البيت المقدس إلا في حكم ملك يهوذا حزقيا ، وليس من شك في أن برستد يخطئ في كثير مما ذكره (أنظر : ملوك ثان ١٨ : ٤) ، J.H.Breasted ,The Dawn of Conscience ,P., ٣٥٤.
(٦) يرى الدكتور هاني رزق : معبرا عن وجهة النظر المسيحية أن هذا الحدث إنما كان رمزا لصلب المسيح ، فكما رفع موسى الحية لكي يحيا كل من ينظر إليها ، هكذا رفع يسوع المسيح على الصليب لكي يحيا كل من يؤمن به (هاني رزق : يسوع المسيح في ناسوته وألوهيته ، القاهرة ١٩٧١ ص ١٥٢ ـ ١٥٣).