المقدسة ، ونزلت اليهود ـ فضلا عن أن اليهود أصبحوا لا يعرفون ، حتى أين دفن الكليم (١)؟ لتبين لنا كيف أضاع اليهود الرجل العظيم وجحدوا مكانته ، مما أدى في نهاية الأمر ، إلى أن يبدي بعض علماء التاريخ والآثار المصرية والدراسات اليهودية ، شكوكهم حول تاريخية الرجل العظيم ، بل إن «جوستاف لوبون» ليقول بصراحة : إن موسى شخص أسطوري ، أكثر من كونه شخصا تاريخيا ، أي أن ذاتيته رتبت ، كما رتبت ذاتية «بوذا» بعد حين (٢).
ومن هنا ، فإن جمرة مفكري اليهود العلمانيين في العصر الحديث ، تذهلهم تلك الشخصية ، كما تتراءى عملاقة جبارة ، بينما يؤرقهم في الوقت نفسه افتقارهم إلى الدليل المادي ، مهما كان ضئيلا تافها ، الذي يقنعهم بأنه كان له وجود ، فيقولون بسفسطة رأى بأن : موسى كان ، رغم أنه ما كان ، أعظم شخصية في تاريخ اليهود ، فلا معدي عن ابتداعها بخيال ، فيصبح التاريخ اليهودي مغزى وقصدا (٣).
ومع ذلك ، ورغم كل ما أشرنا إليه آنفا ، فإني لأومن ـ الإيمان كل الإيمان ـ بالوجود التاريخي لنبي الله الكريم ، سيدنا موسى عليهالسلام ، لأسباب كثيرة. منها (أولا) أن الكتب السماوية الثلاثة ـ التوراة والإنجيل والقرآن العظيم ـ تجمع على ذلك ، وليس من العلم ، فضلا عن الإيمان بما جاء في كتب السماء ، أن نشك في أمر أجمعت عليه.
ومنها (ثانيا) أن الشك الذي يحوم حول موسى عليهالسلام ، إنما له مثيل بالنسبة إلى أبي الأنبياء ، إبراهيم الخليل ، عليهالسلام (٤) ، وفي كلا
__________________
(١) تثنية ٣٤ : ١ ـ ٦.
(٢) جوستاف لوبون : المرجع السابق ص ٧٥.
(٣) حسين ذو الفقار : المرجع السابق ص ١٢ ، وكذا ١٨ ـ ١٦.A.L.Sachar ,op ـ cit ,P.
(٤) ٥١٤. L.Woolley ,op ـ cit ,P.