الحالين فإن الذين يشكون ـ في الكليم والخليل ـ إنما يعتمدون في شكهم هذا ، على كثرة الأعاجيب والخوارق في السيرتين الطاهرتين ، كما رواها الأقدمون ، ولست أعتقد ـ بحال من الأحوال ـ أن هذا سببا مقنعا ، فنحن الدارسين للتاريخ المصري القديم ـ على سبيل المثال ـ نسمع عن الكثير من الأسرار التي حيكت حول «الهرم الأكبر» ، مما لا يعتمد على سند ، أو دليل تاريخي ، ومع ذلك فالهرم الأكبر موجود. ولا يستطيع أحد أن يمتري في وجوده.
ومنها (ثالثا) أن ما يراه بعض النقاد من عدم وجود أي أثر يشير إلى تاريخية موسى ، عليهالسلام ، فإذا كان الأمر كذلك ، وإذا كانت تلك «الشقف» أكثر أهمية ، بل وربما يعتمد عليها أكثر من ذاكرة الناس ، أو السجلات المكتوبة ، فإن الأثر الذي تركه المشرع العظيم على العقل الإسرائيلي ، والذي يمكن تتبعه منذ عصر قديم جدا ، عميق لدرجة لا يمكن أن تفشل في حالة الاعتماد عليها ، لتحقيق شخصية تركت أثرا لا يمحي على المعاصرين (١).
ومنها (رابعا) أن احتمال العثور على أسماء الأنبياء والرسل في النصوص الإنسانية ضعيف نسبيا ، لأن حقيقة الصراع بين القيم السماوية والإنسانية ، ربما يكون قد دفع تلك المجتمعات الإنسانية إلى إغفال ذكرها. وهذه ظاهرة يلمسها المؤرخ في تاريخ وحضارة الشرق الأدنى القديم بوجه عام ، بالنسبة إلى تعمد عدم التعريف بالمعارضين (٢).
ومنها (خامسا) أن المصادر المصرية القديمة ـ والتي تمتاز عن غيرها
__________________
(١) ٦.p ، ١٩٦٩. C. Roth, Ashort History of the Jewish People, London,
(٢) رشيد الناضوري : جنوب غربي آسيا وشمال إفريقيا ـ الكتاب الثالث ـ المدخل في التطور التاريخي للفكر الديني ـ بيروت ١٩٦٩ ص ١٧٤.